الجمعة، 23 فبراير 2018

" لأن الله يريد لنا الكمال "

لأن الله يريد لنا الكمال


لخلق هذا الوجود غاية سامية عظيمة، لم يخلق الله عز وجل كل هذا الكون بلا غاية وهدف، وإذ جعل الله سبحانه الإنسان محور هذا الوجود، فتلك الغاية وضعت للإنسان بالدرجة الأولى والرئيسية، فهو المخلوق الذي نصّبه الله خليفة له على الأرض.
يخاطب الله سبحانه الإنسان في القرآن ويخبره بمصيره الحتمي: { يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ } ، فهذه حياتنا ماهي إلا سير إليه عزّ وجل، سيرٌ إلى الكمال إذ هو الكمال المُطلق، بناءً على ذلك فإن غاية خلق الإنسان هي (التكامل اللامحدود) و بعبارة أخرى (التكامل الروحي بالتقرب إلى الله) - أيّ كلما تقرب الإنسان إلى الله ارتقى في درجات كماله.
ولكي لا يكون الحديث حديثاً عقائدياً، نتجه بالحديث للإشارة إلى الخلل الفكري عند الإنسان في موضوع غاية الوجود، وهو جهل الإنسان عن تلك الغاية والغفلة عنها، أيُعقل أن نعيش ونكبر ونخوض معترك الحياة إلى أن ينقضي العمر ولا ندري ما هدف وجودنا! الجهل بمثل هذا الأمر يعني ضياع وجود الإنسان، يعني عبثية الوجود، لذلك نرى اتجاه الحياة البشرية في الوقت الراهن إلى العبثية واللهو واللاهدفية، كل ذلك بسبب جهل الناس بهدف وجودها الحقيقي.
وقد أشرنا في مقال سابق إلى (نتائج عدم معرفة الإسلام)، وهنا نشير بتحديد أكثر إلى (عدم فهم جوهر تعاليم وأحكام الإسلام). إن الإسلام قدم لنا المشروع بشكل واضح، أشار للهدف (التكامل الروحي) وأعطانا الخطة المحكمة للوصول إليه، ولكن بسبب إهمالنا للإسلام وعدم معرفتنا به؛ جهلنا الهدف وانعكس ذلك الجهل على كل حياتنا وفكرنا وسلوكنا وعلى مستوى تحديد أهدافنا في الحياة، ومن نتائج هذا الجهل بروز مشكلة عدم فهم التعاليم والأحكام الإسلامية والاعتراض عليها وعدم تقبلها والنفور منها أيضاً، إن هدف الإسلام كله بقوانينه وتشريعاته وتعليماته تصب في ذلك الهدف الأساسي (التكامل اللامحدود) الذي يعني إيصال الإنسان للكمال المنشود، فهذه التعليمات والتشريعات أساس حكمتها تحصيل الثمرات الكمالية، وهي ثمرات دنيوية مباشرة وثمرات ونعم أخروية، ألا أن الثمرات الأخروية هي الأصل والجوهر، أما النعم الدنيوية فلا يمكن مقارنتها أبداً بالنعم الأخروية بأي شكل من الأشكال، لأن الأساس من هذه الحياة هو العمل المؤقت للوصول للحياة الآخرة، إلا أننا لا نستوعب ولانستشعر عظمة النعم الأخروية لأننا أعطينا الحياة الدنيا الاهتمام الأعظم وجعلناها هي الغاية الأساس، وغفلنا عن أن الحياة والنعم الأبدية هي الحياة الآخرة، لذلك نحن ننفر من تعاليم الإسلام ونعترض ونُشكل على أحكامه، وعندما نرى من تلك الأحكام والتعاليم ما لا يتوافق مع أهوائنا نبقى نبحث عن مخرج لها ونستنبط لأنفسنا " تحليل عقلاني " لإضعافه أو تغيير ماهيته، ما يلزمنا فهمه هو أن ثمرات هذه الأحكام لا تتعلق بالدرجة الأولى بالدنيا، فلا حاجة للبحث عن تبريرات تتعلق بالحكمة من تشريعها، فالكثير من التشريعات نجهل حكمتها ولا نستعشر ثمراتها في الدنيا، إلا أن اليقين هو أن ثمراتها أخروية وترتبط بشكل رئيسي بـ " عملية التكامل الروحي " .
والحاصل أننا لجهلنا بقانون أو فلسفة التكامل الروحي أو عدم فهمنا إياها، ننظر إلى كل أمر فقط من جانب كونه حلال أو حرام، جائز أو غير جائز، فالأعمال لدينا إما هذين الحكمين وما غير ذلك لا اعتبار له، وننظر إلى الآخرة على أنها جنة أو نار فقط ، هممُنا دانية وأهدافنا بسيطة فيكفي أن نعمل بالمقدار المحدود جداً الذي يدخلنا الجنة وينجينا من النار وكفى، والحقيقة هي أن الغاية أعظم من الجنة أصلاً، الغاية هي التكامل للتقرب الى الله، السير للكمال المُطلق الذي يعني أنه مهما تقربت ازدتت كمالاً لا حدود له مُطلقاً، فالجنة درجات والقرب الإلهي أيضا مقامات، غاية الأمر أننا أصحاب همم ضعيفة اكتفينا بالسعي للدرجات الأدنى من درجات الجنة، بل أقصى آمالنا وأهم أهدافنا أن لا ندخل النار وكفى، هذه نتائج غفلتنا عن طلب الكمال الأخروي، عزفنا عن الكمال اللامتناهي وجعلنا كل اهتمامنا للكمال الدنيوي المتناهي والذي سينتهي مع انتهاء حياتنا على الأرض.

ولنقرب الفكرة أكثر نطرح هذه الأمثلة لتبيان جوهر قاعدة التكامل في الإسلام، مثلاً تشريع الحجاب للمرأة -كتشريع واجب- هو بأصله كمال له ثمرات اجتماعية واضحة ومباشرة في الدنيا، كصون وحفظ المرأة وتحصينها وهو جانب من جوانب العفة والستر للمرأة، وحفظ المجتمع من تبعات سفورها، هذه الثمرة المباشرة لا تنفصل أبداً عن الثمرة الأساس وهي (التكامل الروحي)، غير أن ثمرة الكمال تظهر بشكل جوهري أعظم في الآخرة، ونظراً لأن الحجاب جانب من كمال العفة، فكلما ازدادت المرأة عفافاً كلما تكاملت وارتقت في درجات الكمال الروحي، فالتكامل هنا أمر و وجوب الحجاب أمر آخر، فمثلاً هناك من تكتفي بأدنى درجات الستر ولا يعد ذلك عملاً محرماً (كأن تلبس ملابس ساترة وجائزة شرعاً من غير أن تلبس العباءة)، وأخرى تسعى جاهدة لتعزيز سترها فلا تنزع عباءتها مهما كلف الأمر، في هذا المثال المرأتان لم ترتكبا الحرام وكلتاهما لباسهما في حدود الشرع، لكن هل كمال العفة والستر متساوي بينهما؟ قطعاً لا، المرأة الثانية سترها أكثر كمالاً، الفرق أن الثانية همّتها متعلقة بدرجة أعلى من الكمال، والأولى على العكس اكتفت بالجائز، كذلك لو أن فتاة لا مانع عندها من ظهور صورها الى الملأ عبر شبكات التواصل مثلا (مع افتراض كون ذلك جائز)، وأخرى لا ترضى ذلك حياءً وعفة، فبالتأكيد أن الفتاة الثانية حياءها وعفتها أكثر كمالاً، ولا يعني ذلك أن الفتاة الأولى ليست عفيفة أو قامت بعمل حرام، بل هو مجرد تفاوت في درجات كمال العفة بينهما، كمال إحداهما أرقى من الأخرى. مثال آخر، نظر الرجل لوجه المرأة بحد ذاته جائز، لو أن رجلًا نظر لوجه إمرأة وفق الحد الشرعي فهو لم يرتكب حراماً، أما رجل آخر يغضّ البصر تماماً عن المرأة قاصداً العمل بالورع - كأن ينظر للأرض إذا رأى امرأة – فهو بهذا يتكامل بالورع عبر غض البصر، هنا كلاهما لم يرتكبا الحرام، والسؤال إليك أنت أيها القارئ : من هو الأكثر كمالاً في الورع منهما؟

وهكذا هو جوهر قاعدة التكامل، وقس عليه جميع السلوكيات والأعمال التي تحث عليها التعاليم الإسلامية وروايات أهل البيت (ع) خصوصاً التي تعد أعمالاً وسلوكيات كمالية للروح ولا تتعلق بالحلال والحرام، لذلك علينا تغيير نظرتنا لتلك التعاليم والتوصيات، ونستوعب أن الأشخاص الذين نلقبهم في مجتمعنا بالـ "ملتزمين" أو دينيّين أو "المطاوعية" أو الذين يعتبرهم المجتمع "متشددين ومعقدين" - أنهم بأعمالهم وفكرهم هم طُلاب الكمال، هم متّبعين الفطرة الإنسانية التي لا تنفصل عن الدين، المُتصبغين بصبغة الكمال الإلهي المطلق {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} .

إذن، من يكتفي بالـ "جائز" فهذا شأنه، ومن يسعى للكمال فذلك شأنه هو أيضاً، كل إنسان حر باختيار طريقه، المهم أن لا نهاجم من يهتم لدينه ويسعى للكمال بالتزامه وحفاظه على قيَم الإسلام الكمالية، وأن لا نعتبر من يكتفي بالجائز فاسق.

أخيراً، إذا استوعبنا قاعدة " التكامل الروحي" في الإسلام، فإن نظرتنا لأنفسنا وللوجود ستتسع وتسمو، سيرقى فكرنا وسلوكنا واهتماماتنا وتطلعاتنا، لأننا سنشعر بأن هذه القاعدة هي المتناسبة مع عظمة خالقنا سبحانه و الأصلح لأن تكون غاية هذا الوجود، ومتوافقة مع فطرة السعي للكمال عند الإنسان، هل يعقل أن يكون قد خلق كل هذا الكون لأهداف هذه الدنيا المفعمة بالنقص والتعب والبلاء! ومع الإشارة إلى أن قاعدة التكامل مرتبطة بكافة السنن والقوانين الإلهية الكونية والاجتماعية ( كسنة البلاء مثلا)، وبعد أن يستوعب الإنسان هذه القاعدة؛ سيكون جواب سؤال (لماذا) حول أحكام الإسلام وتعاليمه وتوصياته واضحاً..
لماذا الصلاة؟ لماذا الصيام؟ لماذا الحجاب؟ لماذا الزكاة؟ لماذا أحكام القصاص؟ لماذا البلاء؟ لماذا المرض؟ لماذا الفقر؟ لماذا الألم؟ لماذا الإحسان؟ لماذا العدل؟ لماذا العفة؟ لماذا العبادة ؟  لماذا الوجود ؟ لماذا..؟ لماذا؟ .. لأن الله يريد لنا الكمال

الجمعة، 9 فبراير 2018

"ليس هذا هو الإنسان الحقيقي"

ليس هذا هو الإنسان الحقيقي!


من أكبر السلبيات المؤثرة في فكر وعقلية شبابنا في هذا الزمن هو افتقاره للجدّية، وسيطرة اللامبالاة والهزلية والعبث على عقله وسلوكه، مما يؤدي إلى سطحية الفكر وبروز النزعة العامية في عقليته.
فهذا العالم أصبحَ يسير بنحوٍ تسافلي خطير، رغم كل التطور الهائل والسريع فيه، إلا أنه من الواضح أن العلاقة عكسية بين هذا التطور وبين الإنسان، كلما تقدّم هذا التطور، كلما تراجعت وتسافلت إنسانية الإنسان!
والمقصود من الجديّة هُنا ليس المعنى الدارج المتعارف عليه، ليس عدم المزاح والضحك مثلاً، ليس الجدية في الحديث، ليس الجدية في السلوكيات اليومية في الحياة الاجتماعية، ليس القصد أن يعيش الإنسان طيلة يومه مُقابلاً الكتب ومُنهمكاً في طلب العلم، أو أن يكون عبوساً لا يتلطّف في أحاديثه مع الناس، بل المقصود من الجديّة أن يكون الإنسان جادًا في نظرته إلى الحقائق المصيرية في حياته، أن يكون لمعرفته تلك الحقائق أهميّة وأولوّية في حياته، ويكون توجهه لهذه الحقائق هو مُحرك حياته في السلوك والحديث والفكر.
وأول تلك الحقائق مايرتبط بوجود الإنسان، ماهي حقيقتي؟ ماهو هدف وجودي في هذا الوجود؟ كيف وُجدت ومن الذي أوجدني؟
ومن هُنا يبدأ طريق الإنسان في البحث عن نفسه ومعرفة قيمته، فنتيجة معرفة نفسه هي معرفة الله جل جلاله، يقول أمير المؤمنين (ع) : " من عرف نفسه فقد عرف ربه "، وبهذا يمضي بجديته ساعيًا للبحث عن كل الحقائق المتصلة بوجوده، فنحن البشر المخلوق الوحيد في هذا الكون المُتميز بحيازته للعقل، أليس من العبث أن أعيش في هذه الدنيا وتمضي السنين ثُم أموت ولا أعرف ماهي حقيقة وجودي! من أين أتيت وإلى أين مصيري وماهو دوري في هذا الوجود! ماهو مستقبل هذه الحياة! وهذا ما يُشير إليه أيضاً أمير المؤمنين (ع) في قوله " رحم الله امرأ عرف من أين وفي أين وإلى أين". فالحقيقة أنّنا عندما نجهل هذه الأمور فإن حياتنا وعدمها واحد لأنها حياة بلا قيمة إذ أني لا أعرف قيمة نفسي، ولا اختلاف في قيمة وجودنا و وجود الحيوان، عندما لا نستخدم هذا العقل في سبيل معرفة حقيقة هذا الوجود -ومن ثم السير في حياتنا بناء على تلك المعرفة- فإننا كالحيوان، فهو يعيش بلا عقل، يولد ويعيش ، يأكل وينام ويتكاثر ثم يموت، ونحن نولَد ونعيش نأكل وننام ونتكاثر، والفارق الممكن هو أننا نستخدم عقلنا لكن هدفية استخدام عقلنا هي نفسها تلك الأمور التي نشترك فيها مع الحيوان، نسخّر كل قوانا العقلية لإشباع رغباتنا وتحقيق أهداف الدنيا المادية، كطلب العلم للحصول على الشهادة ثم الوظيفة والراتب الكبير.. الخ، ومهما ترقينا أكثر فإن كل أهدافنا وإن عظُمَت ستبقى محدودة مادامت مرتبطة بالمحدود فقط كالدنيا، لكن معرفة حقيقة النفس وهذا الوجود وصانعه المبدع ومعرفة مابعد هذه الحياة هي المعارف المصيرية والمؤثرة في وجودك، ماهي قيمة الإنسان إذا عاش جاهلا لحقيقة وجوده!
تلك الجديّة هي المطلوبة في نفس الإنسان ليجد ذاته ويعرف قيمة وجوده، لا يمكن للإنسان أن يرقى بعقله وفكره وإنسانيته وهو فاقد للجدية في السعي لمعرفة مثل هذه الحقائق، أمّا نحن شيعة أهل بيت محمد (ص) كيف نقبل على أنفسنا أن نكون أهل غفلة وعبث! وماهو مبرر ذلك؟ هل قصّر أئمتنا (ع) في إرشادنا ؟ معاذ الله! هل نفتقد لمن يدلنا الطريق ؟ ماهو شعورنا وإمام زماننا - عجل الله فرجه - غائب ينتظر تمهيد شيعته، فيرانا ونحن غارقين في العبث واللهو! أليس التمهيد إلى ظهوره يحتاج لجدية حقيقية ؟ ماهو موقفنا أمام الله يوم وقوفنا أمامه يوم تبلوْ كل نفس ما أسلفت! 
الجدية أن نكون مُوالين بحقّ، أن نكون جادين في معرفة ديننا ورسولنا وأوليائنا -عليهم الصلاة والسلام- أن نسعى بكل همّة وصدق أن نعرف إمام زماننا (عج)، أن نكون جادّين بالإرتباط به والتقرب إليه والتمهيد الصادق لظهوره (فدته الأنفس)، الجديّة أن نسعى لمعرفة تكليفنا اتجاه ديننا وإمامنا، أن نتحمّل الأمانة الشريفة التي حمّلنا الله جل جلاله إياها وأعطانا دور الخلافة على الأرض، أن نتحمل مسؤوليتنا اتجاه مجتمعنا واتجاه كل هذا العالم واتجاه إمامنا الغائب (أرواحنا لمقدمه الفداء)،  على عاتقنا مسؤولية عظيمة، هذا العالم غارق في الفساد، انعدمت القيَم الإنسانية ونخرت قيَم الدنيا الهابطة في مجتمعاتنا، الجديّة المطلوبة أن نستشعر وجود الله، أن نعيش همّ الآخرة، أن نكون جادّين في طلب قرب الله ورضاه ومحاسبة النفس وتزكيتها، أن يكون كل سعينا وعيشنا وكل حياتنا في السير إلى الله، حيث أنّ الله هو نور السماوات والأرض وهو الكمال المُطلق وقربه غاية الوجود.. وعندما نكون كذلك ستكون كل حياتنا حياة هادفة، لن نقبل على أنفسنا اللهو واللغو والعبث.
عندما نرى كل هذا العالم غارق في العبث واللهو، فإن كل تلك البشرية لا تعرف الإسلام، أما نحنُ أبناء الإسلام، أبناء نبي الرحمة (ص)، أبناء أمير الموحدين (ع)، أبناء الطاهرة سيدتنا الزهراء(ع)، نحن أبناء الولاية العلوية، أبناء المساجد والمآتم، ماعذر غفلتنا ونحن شيعة مدرسة النور الربّانية! 
أليس من المؤسف أن نصل لهذا الوضع الأليم، عندما نرى جديّة شبابنا في توافه هذه الدنيا وإعطاء الأهمية لما ليس له أهمية! فها نحن نرى كيف أن معرفة شبابنا بلاعبي كرة القدم مثلاً معرفة واسعة، لاعجب أن يعرف الشاب أسماء اللاعبين وأسماء أبنائهم وحتى أسماء زوجاتهم وكل تفاصيل حياتهم، أو مانراه من متابعة واهتمام كبير لمشاهير "سناب جات"، كم هو مؤسف أن يكون حديث شبابنا عن زواج وطلاق تلك المشهورة، وحياة ذلك الفنان وأين ذهب وماذا أكل وماذا صنع، في حين يجهلون المعارف التي تسمو بإنسانيتهم وفكرهم، والحقائق المؤثرة في مستقبل الإنسان الغامض..
 لا يخفى على أي عاقل ماوصلت إليه عقلية شبابنا من الجنسين، ولا شك أن افتقار المجتمع للجديّة الفكرية والعقلية أدّت لمثل هذا الانحدار الفكري، الجديّة التي هي حالة من التفكّر المُستمر في الحياة في سبيل إعداد الإنسان نفسه لخوض مستقبل مجهول، وعكسها غفلة الإنسان عن إنسانيته وحقيقة وجوده ومصيره، فلا يمكن للإنسان الذي يعرف قيمة نفسه وحقيقة وجوده أن يشغل نفسه بتوافه هذا الزمن، أو أن يكون جلّ حديثه لغو وسلوكه عبث وحياته لهو، .. ليس هذا هو الإنسان الحقيقي!.. إن عقلية اللامبُالاة والهزلية والعبث واللغو لا تصنع إنساناً، بل تدّمر حقيقة الإنسان!

الجمعة، 2 فبراير 2018

" الصورة ليست واضحة ! "

الصورة ليست واضحة


تمر السنين ويوماً بعد يوم نرى ازدياد ابتعاد الأجيال عن الإسلام، وبعد أكثر من 1400 عام من بزوغ فجر دين السموّ والجمال والكمال الإنساني، دين بناء الإنسان والتحرر من أغلال النفس والمادة ، ها نحن ونصل لعصرٍ لم يبقى فيه من الإسلام إلا اسمه، انطمست ملامح صورته الحقيقية، أصبحت الصورة ليست واضحة، انعدمت الثقافة الإسلامية في مجتمعاتنا، وحلّت مكانها الثقافة الغربية الملوثة، تفشّى الانحراف الفكري والعقائدي بين شبابنا. تعددت أسباب هذا الانحراف، إلا أن أهمها فهو ضعف المعرفة بالإسلام إذا لم تكُن معدومة واقعاً، فضعف المعرفة الدين يعني ضعف الإيمان، وضعف الإيمان هو المؤدي للانحراف والنفور من الدين، هذا النفور المتفشّي في مجتمعاتنا في العصر الراهن.
إن هذه المعرفة تشكّل أساس بناء هوية الإنسان المسلم، عندما ضعُف هذا الأساس، سهُل هدم تلك الهوية التي أراد بها الإسلام الكرامة والعزّة للإنسان، واستطاع العدو الغربي استغلال هذه الثغرة الفادحة في اختراق المجتمع الإسلامي وبث سموم أفكاره من خلال الغزو الثقافي الناعم، واستهدافه لفئة الشباب خصوصاً وبشكل مُخطّط ومدروس، أما من كان مُتحصّنًا بالمعرفة الكافية والإيمان بدينه فلن تتلبّسه التبعية العمياء ولن تستطيع أكبر قوة شيطانية أن تسلبه هويته الأصيلة واستقلاله الذاتي والفكري.
أما عوامل ضعف هذه المعرفة فهي كثيرة ومُتجددة مع تقدم الزمن، ولعلّ أبرزها عملية فصل أفراد المجتمع الإسلامي عن منابع المعرفة الدينية الأصيلة المتمثلة بالقرآن الكريم والعترة الهادية (عليهم السلام)، ومثال لذلك ما كان في عصر الأئمة (عليهم السلام) حيث كان سعيّ الغاصبين آنذاك عزل المجتمع الإسلامي عنهم -عليهم السلام- و عن علومهم ومعارفهم بمختلف الأساليب التضييقية والإعلامية الماكرة (إلا أنهم فشلوا في ذلك نوعاً ما)، أما في عصرنا الحالي فهذه العملية تتمثّل في إضعاف العلاقة الروحية بين المجتمع وعُلماء الدين بصفتهم حمَلة لواء الشريعة وحُماة العقيدة وورثة الأنبياء ونوّاب الإمام المعصوم(ع) في عصر الغيبة، وهم من يتصّدون لمهمة الهداية والتربية ونشر الدين والمحافظة على مبادئه الأصيلة، فهم بهذه الوظائف امتداد لذلك الخطّ الربّاني، ويكون ذلك عبر تشويه صورتهم بمختلف الأساليب، (والحديث عن موضوع العلماء له أهمية كبيرة، نخصص له مقال قادم خاص إن شاء الله)، إذن ضعف ارتباط المجتمع بمصادر المعرفة الأصيلة وامتدادها بشكل طبيعي يؤدي الى ضعف المعرفة والإيمان.
ولذلك إن أردنا معرفة الدين علينا التوجه لمنابعه الأصيلة، دين الإسلام الذي هو منهج حياة كما أشرنا سابقاً، فنحن نحتاج إليه ليرشدنا في كل خطوة نخطوها في حياتنا، فعلوم الإسلام ومعارفه وعلوم كل الحياة نجدها أولاً عند آل بيت محمد (ص)، وكما جاء في الرواية عن الإمام الباقر (ع): "شرّقا وغرّبا فلا تجدان علماً صحيحاً إلا شيئاً خرج من عندنا أهل البيت" . وهذه مآتمنا ومساجدنا هي مدارس لعلومهم (ع)، وما مداد المرجعية الدينية الشيعية إلا اغتراف من نبعهم الصافي، لذا فسبيلنا الوحيد لمعرفة الإسلام هو علم أهل البيت (ع)، ومايقدمه العلماء من تعريف وتبيان ونقل لعلومهم عليهم السلام.
ونظراً لعدم التوجه لتلك المعارف، فليس مستغربًا أن نرى الشباب ينفرون من الدين ويشككون في أحكامه وتعاليمه، لأن ذلك ينتج عدم وضوح صورة الإسلام، والواقع أن الكثير من الشباب في سبيل المعرفة والتثقف يتوجه لمن ليس لهم أي صلة بالإسلام، بل ممن يحاربون التدين من أصحاب الأفكار المنحرفة المُبطّنة، فنرى الشباب بلا وعيٍ يقرأون ويؤمنون بأقوال واطروحات مفكّري وفلاسفة الغرب الذين يجدون عندهم مايوافق أهوائهم النفسية المحدودة، أمثال اولئك حتى لو كانوا يقدمون مانعتقده من القيّم الإنسانية والأخلاقيات، إلا أننا لا نحتاج لهم لتعليمنا القيّم والأخلاق والمبادئ، فلدى الإسلام مايكفي من المفكرين الذين يرشدونا للقيم الفطرية النقية، اضافة إلى أن أفكار أولئك ليست صافية وغالباً ماتصطدم بشكل مباشر أو غير مباشر مع مبادئ وقيم الإسلام، كما أن مفكّري الغرب غالباً مايطرحون مصطلحات جذّابة محرَّفة المعنى تجذب عقول الشباب مثل (التحضّر،العصرية، العقلية المثقفة، التنوّر..الخ) ونظراً للتضاد القيمي الكبير بين الفكر الغربي والفكر الإسلامي، فمن الطبيعي أن من يقرأ أفكارهم و يؤمنٌ بها سيصطدم بأفكار علماء ومُفكري الإسلام، يعني أنه سيصطدم مع الإسلام واقعاً!  ليس هذا وحسب، بل من المهم الإشارة أيضًا إلى الحذر حتى من بعض المفكرين العرب والمُسلمين، فلم يسلم الإسلام من السهام الخفية من بعض (المُثقفين) الذين يضربون الدين بالدين، ويحرفون المبادئ الأصيلة، ويدعون بشكلٍ أو آخر إلى التحرر من الدين وماشابه من الأفكار المنحرفة، ناهيك عن تعرضنا وبشكل مستمر ومتكرر لملايين الرسائل المُبطّنة من خلال الإعلام الغربي -(هوليوود) مثلا، والإعلام الاجتماعي الحديث ومشاهير الإعلام من الغرب والخليج العربي أيضاً (شخصيات السوشيال الميديا/الفنّانين..الخ). بناءً على ذلك فإن أي فكرة منحرفة نأخذها من تلك المصادر، ستوجِد لدينا قناعات مخالفة أو شكوك في صلاحية مبادئ وقيّم الإسلام، لأنه إمّا أن نؤمن بصلاحية القيم اللاإسلامية أو صلاحية القيم الإسلاميّة، ومن هنا يحصل الشك والانحراف والنفور من الدين، خصوصاً مع طبيعة النفس الإنسانية الأمّارة بالسوء في اتباعها لما تهوى !
وهُنا أنقل هذه القَول الجميل لفيلسوف الإسلام الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي، يقول (دامت بركاته): " إنّ الخُبراء في الدين والذين باستطاعهم تعريف الناس بالإسلام الأصيل، إنمّا يمكن العثور عليهم في وسط علماء الدين، فالإسلام الأصيل لا يؤخذ من (جامعة هارفارد)".
والحقيقة إن شمولية الإسلام لم تدع أي مجال في الحياة لم تتطرق إليه وتنظمه بتعاليمه، ولم يجعل المجتمع الإسلامي يحتاج لأي منهج آخر، فبعد القرآن الكريم وأحاديث أهل البيت (ع)، قدّم علماء ومُفكري الإسلام مؤلفات عظيمة في شتى المجالات التي تُرشد الإنسان لطريق الهداية والإنسانية على ضوء الإسلام، فنحن نُهمل هؤلاء العظماء الذين ساهموا بفكرهم الإسلامي السليم بتقديم أطروحات يُضرب بها المثل في عراقة فريدة من نوعها ونتجه لغيرهم!
ونظراً لابتعاد العالم أجمع عن الإسلام وتعاليمه، ها هو العالم يشهد تراجع وتهاوي حياة الإنسان، ذلك بسبب عدم صلاحية كل المناهج البشرية التي تنتهجها مجتمعات العالم، ولا صلاح للإنسان والعالم إلا بالمنهج الربّاني الحكيم، هذا المنهج هو الذي يُحقق كل ماينشده الإنسان من طمأنينة وراحة وسعادة حقيقية تتمثل في الحياة الطيبة والعلاقات الاجتماعية السليمة، فعلى المستوى الإنساني فتعاليم وأحكام الإسلام حفظت للأنسان كرامته ورفضت كافة أشكال العبث والانحلال الأخلاقي ووجّهت الإنسان للسيطرة على أهواء النفس وحارب الطمع والأنانية ونظّم العلاقات الاجتماعية وفق ذلك، ومنها تنظيم علاقات المجتمع واقتصاده وتوزيع الثروات بما يؤدي لرخاء المجتمع وانتفاع أفراده وتوفير العيش الكريم وإلغاء كل أشكال الاستغلال والجشع- هذا في الجانب الاقتصادي، ومنها التعاليم التي تسمو بالإنسان والمجتمع بتحقيق العدالة والمساواة والتحرر والاستغلال والعبودية، إضافة إلى ترسيخ الأخلاق الحميدة في الفرد والمجتمع- وهذا في الجانب الاجتماعي، هذه بعض الأمثلة على رؤى وتعاليم الإسلام التابعة لمبادئه الأساسية، ولك أن تقارنها بأي رؤية منهجية أخرى وتترك الحكم لعقلك! هل هناك منهج غير الإسلام أعطى الإنسان هذا القدر من الكرامة ونظّم الحياة بأفضل من هذه الأنظمة؟ هذا هو الإسلام الدين السماوي السامي، منهج يسمو بالإنسان، ولو أن أي فرد آمن به وسار ملتزما بأحكامه مؤمناً برؤيته، فسيرى أن استقامة الحياة لا تكون إلا في ظله، ولو انتهج الفكر الإسلامي الأصيل، فسيشعر بطفرة كبيرة في فكره وثقافته وعقليته وسلوكه، وإن خط الإسلام رقى بإنسانيته وروحه وعقله، ستنفتح له آفاق الإبداع والنشاط الفكري، ستتغير نظرته للحياة تماماً، سيشعر وكأنه كان يعيش بعقلٍ آخر سطحيّ جداً ومحدود! نعم هذا ماستشعر به حقّاً لأن هذه التعاليم نابعة من عمق الفطرة الإنسانية وهي توجيه حكيم من أحكم الحاكمين الذي نفخ فيك من روحه.
فضعف المعرفة يعني تأثر فكرنا بأبسط الرسائل التي نواجهها في حياتنا اليومية، البعض ربما يتأثر من خلال تغريدة منحرفة واحدة على تطبيق (تويتر)! ونظراً لضعف القاعدة الفكرية والعقائدية فليس بمُستغرب أن يتأثر الشاب -ولو بشكل غير مباشر- بنمط حياة لاعب كرة قدم، والفتاة بمشهورات السوشيال الميديا، ، خصوصاً عندما يرون تلك السعادة الوهمية في الحياة غير الحقيقة لتلك الشخصيات.
إذن كل انحرافنا ونفورنا عن الإسلام هو نتيجة عدم معرفته والتي تؤدي إلى سهولة التأثير في نظرتنا إليه وتحويل مقاييس الحُسن إلى مقايّيس قبح والعكس، ويؤدي ذلك إلى ذرّ الرماد في أفق بصيرتنا فتكون الصورة ليست واضحة..! 
فعندما يُنظر إلى الدين أنه رجعية وتخلّف، يعني أن الصورة ليست واضحة!
عندما يُرى في الحجاب تقييد، وفي الزينة والسفور تطور وتحرر، يعني أن الصورة ليست واضحة!
عندما يُعتبر المُتديّن مُتحجّر ومُتعصب، يعني أن الصورة ليست واضحة!
عندما يُرى في الإسلام مانعٌ للتقدم والتطور، يعني أن الصورة ليست واضحة!
عندما نعتبر عُلماء الدين العاملين مُستغلّين ومُنافقين ويُريدون تسيّير المجتمع وفق أهوائهم، يعني أن الصورة ليست واضحة!
عندما نعيش وكل همّنا إشباع رغباتنا النفسية والمادية، عندما نرى قيمتنا في كمالياتنا وملبسنا الثمين ومظهرنا العصري يعني أن الصورة ليست واضحة!
إذن؟ 
لنجعل معرفة ديننا أولوية وأهمية في حياتنا..
لماذا؟
لتتّضح الصورة ونسيّر حياتنه بالنظام الأحكم.. لنعرف قدر أنفسنا، للسمو، للارتقاء، للإنسانية..
يقول السيد القائد الخامنئي (دامت بركاته) : "لا شكّ في أن العلم الديني من الأمور التي تقع في صدر قائمة العلوم، نحنُ بحاجة إلى الاطلاع على..الدين والمعارف الدينية..علينا أن نفهم الدين"
وتيّقن أيها العزيز.. بسيرك في خطّ الإسلام ستذوق في الحياة الحلاوة الي لم تذقها في كل عمرك!
وستعيش الراحة التي طالما بحثت عنها في فوضى هذه الدنيا، لأن الإسلام نظام الخالق الحكيم، نظام الوجود ونظام الفطرة الإنسانية السليمة!
أخوتي وأخواتي.. فلنذب في الإسلام، ولنحيا الإسلام منهجاً يحقق لنا الحرية المعنوية والطمأنينة الروحية والاستقلال الفكري، لنحقق به الغايات السماوية التي أرادها لنا الله عزّ وجل ورسوله أهل بيته (عليهم السلام).