الاثنين، 26 أغسطس 2019

(3) " بناء الهوية الإسلامية "



بناء الهويّة الإسلاميّة

يتعرّض الإنسان منذ بداية نشأته إلى مختلف العوامل التي تساهم في تشكيل أفكار وإدراكات تُصنَع على ضوئها عقليَّته، هذه الأفكار والإدراكات تنعكس كثقافة فكريَّة وسلوكٍ عمليٍّ، مع رسوخها نفسيًّا وعقليًّا في الإنسان، ومجموع الأفكار والأفعال وسمات الإنسان التي تترجم تلك الأفكار وتعكس شخصيَّته ، تسمّى "الهُويَّة". ومن المعروف أنَّ مُصطلح (الهُويَّة) مُشتقُّ من (هو) -مع الإشارة إلى أنها هُوية (بالضّمّ) ، وليست هَويّة ( بالفتح)  كما هو شائع استخدامها، فالهويّة هي الإشارة الى ذلك الفرد متميّزًا بسماته الفكريّة والنّفسيّة والسّلوكيّة، وهكذا، وبشكل أوسع ، هويّة المجتمع. فلو قلنا: "المجتمع الإسلاميّ" ، أيّ (هو) ذاك المجتمع الذي يتّسم بالسّمات الإسلاميّة المُمَيّزة،وتُطبَّق فيه شريعة الإسلام بأحكامها وتعاليمها العامّة، وتهيمن فيه على العَلاقات والمعاملات وغيرها من تعاليم الإسلام. ولو قلنا:"المجتمع الماركسيّ"،أيّ (هو) ذلك المجتمع الذي يعيش أفراده نظريّة "كارل ماركس" الفلسفيّة. أمّا المجتمع العلمانيّ، فـ (هو) المجتمع الذي يكون فيه الدّين منفصلًا عن كل جوانب الإنسان والمجتمع، ويبقى مجرّد شريعةٍ تعبّديَّةٍ. ولو قلنا "الهويّة الخليجيّة العربيّة" ؟ إنّها تلك المجتمعات المشتركة في عادات وتقاليد ولها خصوصيّة، وتميُّز عن بقيّة المجتمعات. إذن، الهوية هي مجموعة خصائص وسمات تميّز الفرد أو المجتمع بمميّزات خاصّة،وكلَّما زالت سمة مميّزة معيّنة؛ ضعفت ملامح الهويّة، فرديّة كانت أو مجتمعية.


هذه الخصائص والسّمات والأفكار لا تنشأ من عدم، بل لا بدّ أن يكون هناك مرجع ومصدر لها، كأن يكون المرجع قوميًّا وثقافيًّا، كالهويّة العربيّة أو الخليجيّة، أو يكون مرجعًا  فكريًّا أو فلسفيًّا، كالهويّة الشّيوعيّة ،أو العلمانيّة واللّيبراليّة، أو أن يكون مرجعًا  دينيًّا ، كالهويّة الإسلاميّة وغيرها، فالأديان لها دور كبير جدًّا في تشكيل الهويّات الفرديّة والاجتماعيّة على مرّ الأزمنة.


ولو نظرنا إلى الإسلام وفلسفته، سنراه المرجع الأكثر شموليّة من بين كلِّ المراجع في تركيبة الهويّة، لأنّه مرجعٌ دينيُّ ،فكريُّ، وفلسفيُّ، يدخل في كّل تفاصيل حياة الإنسان ويقودها ويوجّهها، وذلك في ضوء علاقته بالخالق، وعلاقته بنفسه، وعلاقته بالآخرين (المجتمع)، وحتى علاقته بالكون ومافيه. فالدّين الإسلاميّ ،على سبيل المثال فهو ليس كالماركسيّة ،التي يتمحور دورها الرّئيسيُّ في تنظير الجانب الاقتصادي للمجتمع، فلا شأن لها في باقي جوانب الحياة.


ثمّ إنَّ هويّة المجتمع تتشكّل من تماثل وتطابق الأفراد في هويّاتهم أي تلك المميّزات الخاصّة ، فخليط هؤلاء الأفراد -بهويّتهم الواحدة-  ،يمتزج بتناسق، فتتشكّل بذلك هويّة المجتمع، التي تمثّل الصورة الأكبر، والتّطبيق الأوسع لمجموع الهويّات الفرديّة، ثمّ ترتقي تلك الصّورة أكثر فأكثر فتكوّن هويّة الأُمة، لأنّ المجتمع هو ما يُنظَر إليه بلحاظ العلاقات والمعاملات الدّاخليّة، والأُمّة أعمّ من ذلك. نتستنج إذن، أنّ الدّور الأوّل، هو بناء هويّة الفرد ،وهيمنة الخصائص المميّزة على أكبر عدد من الأفراد ،لتتشكّل على ضوئها هويّة المجتمع والأمّة، وهذا ما سنبحث فيه بشكل  رئيسي بعد هذه المقدّمة التّمهيديّة.


إنّ عمليّة بناء الهُويّة لها جانبان: الجانب الفرديّ، والذي يعمل الفرد فيه مع نفسه ويبني هويّته باختياره الشّخصيّ للأفكار والأوصاف التي تشكّل هويّته. والجانب الاجتماعيّ،والذي يكون فيه التّأثّر والتّأثير مُتبادَل بين الأفراد ،أي ، تأثّر كلّ فرد بالآخر، وتأثير كل فرد في الآخر، وتأثير الجماعة على الفرد والعكس، وتساهم البيئة والمجتمع في  بناء الفرد من خلال تفاعله معها، كتأثير بيئة الأسرة على الأبناء، وتأثير الصّديق على صديقه، وتأثير بيئة القرية على الأفراد، أو بشكل أوسع من ذلك ، تأثير البيئة المدرسيّة والجامعيّة على الطّالب، وكذلك تفاعل المجتمع ككلّ داخل الوطن الواحد ،والتّأثّر والتّأثير الجمعيّ في الأفكار والسمات والسلوكيّات، وفاعليّة ودور كلّ جانبٍ كما سيأتي.


إنّ طبيعة عالم الدُّنيا هي طبيعة تزاحم، ويتّضح ذلك في مجال الرّغبات والميول، بمعنى أنّ كلّ رغبة أو ميل يميل إليه الإنسان ،يزاحمه ميل آخر، فلابدّ أن يختار الإنسان تلبية واحد دون الآخر، ويحدّد ذلك بترجيحه لما يميل إليه بشكل أشدّ ،أو ما ترجّحه المصلحة، كمن هو  جائع مُتعَب ،يحتاج للأكل والنوم في وقتٍ واحد، هنا يوجد تزاحم بين الجوع والحاجة للنّوم، فمؤكّد أنّه لا يمكنك الأكل والنّوم في ذات الوقت ، ولكن، يمكن أن تأكل أوّلًا ومن  ثمّ تنام، أو تختار أن تغطّ في النّوم متنازلًا عن رغبتك في الطّعام في الوقت الحالي.

هذا التّزاحم تزاحمٌ في الجانب الماديّ، وهو يبرز بشكل  أوضح، وغالبًا ما يكون الإنسان مدركًا وواعيًا لما يختاره . ولكنّ التّزاحم في الجانب الفكريّ والمعنويّ هو الأكثر تعقيدًا والأضعف وضوحًا وربّما في كثير من الأحيان ، لا يعي الإنسان حقيقة التّزاحم في فكره.


وتوضيح ذلك، كما قلنا إنّ الهويّة هي مجموع تلك السّمات والأوصاف المميّزة، وتتكوّن هذه السّمات بالمعرفة والتّلقّي، وتترسّخ باستمرار التّلقي مع التّلقين، وهو ما تتلقّاه إمّا من محيط أسرتك بدايةً، أو من بيئة قريتك ومدرستك ، أي تلك البيئات  التي تختار أنت التواجد فيها، ولأنّنا نبحث في تفاصيل الهويّة الإسلاميّة ، سنرى كيف يمكن أن نبني هويّتنا الإسلاميّة أو أن نسحقها باختيارنا.


ينشأ الإنسان  بدايةً بين أسرته، كلّما كانت المفاهيم والسمات الإسلاميّة مترسّخة وواضحة في بيئة الأسرة كمًّا وكيفًا، كلّما رُسمت تلك المفاهيم بوضوح في ذهن الأبناء، ثم يكون التفاعل  بين الوالدين والأبناء ،والنتيجة تكون معاكسةً في الأسرة التي تفتقر إلى  المفاهيم والسمات الإسلاميّة. والخطوة التالية بعد ترسيخ المفاهيم الإسلاميّة تتمثّل في  التّلقين المستمرّ لتثبت  تلك الأوصاف في أذهان الأبناء، من خلال تبادل التّأثير والتّأثّر ، قولًا وفعلًا ، ونصحًا ، ورفضًا للأفكار الدّخيلة وتعزيزًا  للأفكار الأصيلة.


إنّ الإنسان العصريّ يتلقّى يوميًّا آلافًا ، بل ربما ملايينًا من  الرّسائل الاتّصاليّة (الإعلامية)، من مختلف القنوات الاتّصاليّة ،كالتّلفاز ،ووسائل الإعلام الحديث اللامحدود (التّواصل الاجتماعي)،  وشبكات الأفلام على الانترنت، وغيرها.  وهُنا تتّضح أكثر طبيعة التّزاحم التي أشرنا إليها، فكلّ تلك الأفكار –بما فيها المخالِفة - التي تصلك من مختلف الوسائل، تزاحم أفكارك الأصيلة،  لتبدأ عندها المعركة اللّاواعية بين الأفكار بداخلك، بين الأفكار الأصيلة ،والأفكار الدّخيلة، فتسيطر الأفكار الأشد رسوخًا كيفاً والأكثر حضوراً كماً وتُزيح الأفكار الأخرى. مثال ذلك: المُسلم صاحب الفكر الغربيّ، والانحلال الأخلاقيّ، أي الذي انمسخت هويّته الإسلاميّة وصارت غربيّة، وانحرف فكريًّا لأنّه لم يتعرّض للأفكار الإسلاميّة بشكل كافٍ، بل على العكس من ذلك فقد تعرّض عقله بكثرة إلى الأفكار الغربيّة المضادّة ، من خلال ما يشاهده من الإعلام الغربيّ مثلًا. فنجد أنّ أفكاره الغربيّة أزاحت الأفكار الإسلاميّة نتيجة لسطحيّتها كيفًا وقلّتها كمًّا، فلا يمكن أن تتواجد فكرتان متضادّتان في عقليةٍ واحدة، بل لابدّ أن تُزيح إحداهما الأخرى، وغالبًا ما يكون ذلك بلا وعيٍ ولا إدراك، فتتبدّل حينها  الأفكار، وتنحرف المبادئ والقيم على ضوء ذلك الانحراف.

وهكذا ، كلّ واحد منّا بتعرّضه للأفكار الدّخيلة المضادّة ،يتلقّى أفكارًا ومفاهيم تصارع أفكاره الأصيلة أو السّابقة، فإمّا أن ينتصر ببقاء فكره الأصيل، أو تنتصر عليه تلك الأفكار الدّخيلة، وإما أن تؤثر فيه ولو بشكلٍ نسبي.


وهُنا تكمن الخطورة التي أشرنا إليها في أنّ العقل ربما لا يعي أنّ الرّسائل الاتّصالية -التي يتلقّاها من الإعلام والأفكار من البيئة المحيطة- تُزاحم الأفكار الأخرى وتزيحها، ثم بعد ذلك نتساءل : كيف وصل هذا الشخص إلى هذا المستوى من الانحراف الفكري واللّاتديّن! السبب هو أنّ الأفكار الإسلاميّة ربّما كانت قليلة وسطحيّة لديه، فلم تترسّخ في كيانه النّفسيّ، فأزاحت الأفكارُ الدّخيلةُ هذه الأفكار الأصيلة، والنّتيجة ، تشكُّل الهويّة وفق تلك الأفكار الجديدة.


ثم إنّ التّربية والتّنشئة أوسع من إطار الأسرة، فالأسرة هي جزء من بيئة الفرد وليست كلّها، وللمجتمع أيضًا  دور في الحقيقة أوسع وأشد تأثيراً في بناء الفرد و بناء هويّته، لأنّه سيعيش في بيئات هذا المجتمع باختلافاتها، فبعد أن يخرج الفرد من محيط أسرته ،سيخرج لعالم يتلقّى فيه ملايين المفاهيم والأفكار التي هي قاعدة السلوكيات العملية. إذن يتطلب في المرحلة التالية بناء الهويّة الإسلاميّة -أي خارج بيئة الأسرة- يتطلب معرفة وتحديد واختيار البيئة التي يلِجُها ويلازمها، كبيئة المأتم والمسجد والشّعائر الدينية، وبيئة الأصدقاء والزّملاء. ويتطلّب أيضًا  تحديدَ الرّسائل الاتّصالية التي يريد أن يتلقّاها، كتحديد ما أريد أنا متابعته مثلًا على وسائل التّواصل الاجتماعيّ، و تحديد نوعيّة الأفلام والمسلسلات، و متابعة الحسابات المناسبة، والابتعاد عن مشاهير الانحلال الأخلاقيّ ، وبعبارة أعمّ، تأطير البيئة الحياتيّة والإعلاميّة التي أعيش داخلها بإطارٍ محدّدٍ و واضح، وهو إطار الفكر والثّقافة الإسلاميّة.


شتّان ما بين مَن حياته المأتم والمسجد والشعائر الحسينية، وبين من حياته اللَّهو والمقاهي ،وأماكن الفساد والانحراف، وشتّان ما بين من يعيش يومه مُتابعاً لمشاهير الغفلة وإعلام الغرب وليبراليّته، وبين من يعيش البحث العلميّ والمعرفيّ والدينيّ، ويسعى لتحصين فكره والاستزادة المعرفيّة والعقائديّة والفكريّة الإسلاميّة، وهذا لا يكون إلا بتأطير أسلوب الحياة بإطار يجعلني في أحضان الفكر الإسلاميّ، بعيد عن منابع الشّبهات والأفكار الدّخيلة والتفاعل معها. لذا فإنّ ارتياد المحافل الدّينيّة والمداومة على حضور المساجد والمآتم، والارتباط برموز الإسلام يعزّز الأفكار والمفاهيم الإسلاميّة في العقل والقلب. بناء الهويّة يبدأ من ارتباطك بالإسلام نفسه، بالارتباط بأئمّة الإسلام عليهم السّلام، بمعارف ومفاهيم وثقافة الإسلام، بروحيّة الإسلام التي تأخذها من بيئة الإسلام ورموزه، فلا يمكن أن تبني إنسانًا إسلاميًّا وهو يعيش بمعزل عن بيئة المجتمع الدّينيّ، أو لا يرى في الدّين إلا علاقته بخالقه فقط، فالهويّة الإسلاميّة تعني أن يسري الإسلام في عروق المسلم ،ويشكّل أسلوب حياته ويعيش الإسلام بكلّ كيانه ووجوده، بروحه وجسمه، بعاطفته وعقله، أن يرى الإسلام هو الطّريق وهو النّجاة وهو الحياة.


والحاصل أنّ تربية الإنسان والمجتمع وتشكيله، لا تتمّ إلا بالهيمنة عليه من كلّ الجوانب، فإذا ما أردنا تشكيل مجتمع إسلاميّ بأفراده الإسلامييّن، لا بدّ من اتّخاذ الإسلام كمرجعٍ فكريٍّ ، ودستورٍ ثابت يهيمن على الفرد والمجتمع بكلّ تفاصيله، وهذا المرجع هو ما عنيناه بالإطار الذي يؤطّر الأفكار والسلوك، أي أن أستمدّ أفكاري وثقافتي وسلوكي وأسلوب حياتي كلّه من روح الإسلام.


ولا توجد أيُّ أطروحة في العالم الإنساني قادرة على الهيمنة على الإنسان وتربيته كالإسلام ، باعتباره أطروحةً نظريّةً أو عمليّة على مستوى التّطبيق، فانظر إلى العظماء الذين صنعهم الإسلام بقيادة المربّي الأجدر للبشريّة ،الرّسولّ الأكرم (صلّى الله عليه وعلى آله) ،أو ألقِ نظرة على أصحاب أمير المؤمنين (عليه السّلام) في سموّهم وإنسانيّتهم، وانظر إلى المجتمع الإنسانيّ الرّاقي الذي أسّسه الرّسول (صلّى الله عليه وعلى آله) ،والذي للأسف لم تحافظ عليه أمّة الإسلام، وإلى يومنا هذا ،لم ولن تستطيع أن تأتي بمثله بسبب إهمالها لإسلامها وتمييعه،فكيف يكون المُسلم مُسلمًا بحقّ وهو لا يرى في الإسلام قوّة وجدارةً لتوجيه حياته وتشكيل أفكاره وبناء هويّته ؟ ،  أم هل يا تُرى تؤخَذ الثّقافة الإسلاميّة من ارتداد المقاهي المشبوهة؟ ، أو من المسلسلات الغربيّة وسمومها؟ ، أو الإعلام المنفتح على النّطيحة والمترديّة وصُنّاع المحتوى المُبتذَل على (اليوتيوب) ، ومشاهير (سناب شات)؟ ،  أو من البيئات اللادينيّة المنفتحة ؟ ، إنَّ  كلّ ما تُسلّمه سمعك وعقلك ،سيؤثّر في أفكارك وثقافتك ويزاحم أفكارك الأصيلة، لا سيّما إذا كانت تلك أفكار مرتبطة بالأهواء النفسيّة. فالأفكار الإسلاميّة تؤخذ من مصادرها، من بيئة الإسلام العلميّة والفكريّة: القُرآن ،والعترة المُحمّديّة (عليهم السّلام)، ومن بيئة الإسلام الاجتماعيّة: المساجد والمآتم والمحافل الدينيّة وعلماء ومراجع الإسلام، الذين يبيّنون لنا معارف الإسلام، وإن قلنا لماذا يجب أن نتّخذ من الإسلام هويّة ومرجع، فإنّ الإجابة  هي كما بيّنا سابقًا، أنَّ الإسلام هو الخطّة الإلهيّة الحكيمة المُعدَّة للأخذ بيد الإنسان لغايته وسعادته، وثقافة وفكر الإسلام ترتبط بعقائد الإسلام وأصوله ورؤيته الكونيّة ،وفلسفته الوجوديّة ،وتعريفه للإنسان والحياة والسّعادة وغيرها من المفاهيم. فهويّة الإسلام لا تعني الالتزام بأحكامه كدين وعبادة فقط، بل هي  هويّة تصنع الإنسان بالمعنى الحقيقيّ للإنسانيّة،  تصنع الإنسان الإلهيّ، خليفة الله في الأرض، الإنسان المُتألّه الربّاني! هذا هو جوهر الهويّة الإسلاميّة.


وبما أنّ الهويّة هي مجموع الأفكار والسّمات المميّزة، فإنّ كلّ ميزة وسمة إسلاميّة ،فكريّة كانت أو عمليّة، تزول من الفرد المسلم، يزول معها جزء من الهويّة الإسلاميّة، وهكذا ،إلى أن يفقدها تمامًا ، وينسلخ منها ويكون مُسلمَ الّديانة فقط، لا مُسلم الهويّة، ثم إنَّ أيّ ارتباط مع الإسلام يبقى عند هذا الفرد وعند هذا المجتمع التي لا وجود للأفكار والسّمات الإسلاميّة في كيانه؟ مثل هذا الفرد لا يرى أيّ حاجة له في الّدين، ولا هو يمثّله لكي يتّسم بسماته، بل يصل إلى مرحلة يرفضه فيها ،  ويرفض أفكاره ويحاربها،  لأنّه لا يرى في الإسلام ما يجذبه، من تجمّع دينيّ و شعائر دينيّة ، ولا يستسيغ الكلام الدينيّ، ويكون مسلمًا  مُواليًا بالاسم فقط،  ليس لديه أدنى ارتباط بالإمام المعصوم، أو إن ارتباطه ارتباطًا  ظاهريًّا وعُرفيًّا تقليديًّا ليس إلّا، مُحبٌ للإمام نعم ،  لكنّه علمانيّ ،  ليبراليّ، و غربيّ الفكر،  يحارب أهداف الإمام عليه السلام عمليًّا ، ولا ترى فيه سمات وأفكار وسلوك شيعة أهل البيت (عليهم السّلام) ،تمكّنت منه الأفكار الدّخيلة ،واستغنى عن كلّ هويّته، واستبدلها بالأفكار الغربيّة الهابطة، أو على الأقل أنّه صار شخصًا خاوي الفكر بلا هويّة تُشكّل شخصيته وتُوجّه حياته،كلّ ذلك لأنّه لم يعرف حقيقة الإسلام، لأنّه لم يرتبط روحيًّا وفكريًّا بالإسلام، لم يذُق عزّة الإسلام، ولم يستشعر قوّة الإسلام الفكريّة والعلميّة والإنسانيّة، أضاع نفسه بالابتعاد عن الإسلام، وبيئة الإسلام ،وأفكار الإسلام.


وبانعدام الهويّة الإسلاميّة الفرديّة، تنعدم الهويّة الاجتماعيّة للإسلام تِباعًا، فمثلًا ، يتميّز المجتمع الإسلاميّ بعفّة نسائه وسترهنّ، فكلّما انحسرت معالم العفّة والسّتر وتضاءلت فكرة العباءة الإسلاميّة ولبسها،انحسر جزء من هويّة الإسلام، وكلّما تسافلت الأخلاقيّات السّلوكيّة في بيئة المجتمع الإسلامي، انمحى جزء من هويتّه كذلك، وكلّما كان الشّباب غربيًّا بمظهره، مُنحرفًا  بسلوكه، وبفكره، ومنفتحًا بلا حدودٍ أخلاقيّة، انمحى جزء من هويّة المجتمع الإسلاميّ، كلما تفشّى الانحراف والعلاقات غير الشّرعيّة  في المجتمع بلا أيِّ استنكار قلبي، تهتّكت الهوية الإسلامية الطاهرة، وحتى حضورك في ساحات وسائل التّواصل الاجتماعيّ، يمكن أن يكون حضورًا بهويّة إسلاميّة، بثقافةٍ وبفكرٍ إسلاميّ، بسلوكٍ واستخدام مُتّزن ،يتوافق مع الثّقافة والأخلاق الإسلاميّة، أو يمكنك أن تكون مُهرِّجًا، حضور لغو وجهل ولاوعيّ واتزّان ، حضور خواء وهراء، وحضور معصيّة وتحرّر هابط.

وهكذا كلّما فقد الفرد الإسلاميّ سمة إسلاميّة، فقد جزء من الهويّة، وكما هو واضح أمامنا ،هناك الكثير من مظاهر الانحراف السلوكيّ والأخلاقيّ والفكريّ في أفراد الإسلام ومجتمعاته.. فماذا سيبقى من الإسلام؟


 ويمكننا القول إنّ الانسلاخ من الهويّة الإسلاميّة ،يعني لبس هويّة الجاهليّة، لأنّ كلّ ما عدا الإسلام ،جاهليّة، وكما يقول مفكّر الإسلام العظيم، الشّهيد ،الصّدر الأول (رحمه الله): "ليست الجاهليّة مرحلة تاريخيّة قد انتهى أوانها، بل هي حالة اجتماعيّة يمكن أن تتجدّد كلّما توّفّرت ظروفها، لأنّ حقيقة الجاهليّة: الانحراف عن شريعة الله وهدى الأنبياء والحُكم وفق الهوى .." . ولعمري ما جوهر الأفكار اللاإسلاميّة ، إلا الانحراف ورفض ومُبارزة شريعة الله وهُدى الأنبياء ونور الفطرة الإلهية، يكفي أن ترى حجم الانحراف الفكريّ الآن،  ورفض الأحكام الإسلاميّة والتّشكيك في مسائل من قبيل الحجاب ،وحقوق المرأة، والمساواة، لترى مدى الانحراف الفكري في عقول أبناء الإسلام،  أوليست "الحركة النسويّة" بأفكارها الغربية المنحرفة تُبارز أحكام وثقافة الإسلام فكريًّا وعمليًّا ،  ألا نرى الكثير من شباب وشابات المُسلمين يتّخذون مثل هذه الأفكار المُضادّة لدينهم؟


إذن،الهويّة الإسلاميّة هي مجموعة السّمات الفكريّة والسّلوكيّة المأخوذة من روح الإسلام ومنهجيّته، والتي تُميّز الفرد فيُعرَف أنّهُ إنسانٌ إسلاميّ، وتُميّز المُجتمع فيُعرَف أنّه مُجتمعٌ إسلاميّ، وبشكل أكبر وأوسع ، أمّة إسلاميّة بحضورها الفاعل والرّاسخ بالفكر ، والرّوح المُحمّديّة {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}، لا كأمّة الإسلام الظّاهريّة ، كما هو الحال في هذا الزّمان،مع أهمية أن تكون الهويّة كيانًا ممتزجًا بروح الإنسان ،بإيمانٍ واقتناعٍ باطنيّ، لا الاكتفاء بظاهريّتها وسطحيّتها.


ولهذا ، فإن تكليفنا بناء هويّتنا الإسلاميّة، بتدعيمها فكريًّا ،  وتأطير حياتنا وأفعالنا في إطار الإسلام، كلّ شخص منّا مسؤول عن بناء نفسه، والمساهمة في بناء مَن حوله، من أخ وقريب وصديق، لكي نحافظ على ما بقي من هويّة الإسلام، تمهيدًا  للمجتمع الإسلاميّ الإلهّي العالميّ المُرتقَب بقيادة مُنجي البشريّة -عجّل الله فرجه الشّريف- بخطّة الإسلام.

 بقدر ارتباطك بقرآن الإسلام وأئمّة الإسلام (عليهم السلام)، ببيئة وأجواء الإسلام، بعلماء ورموز الإسلام، بقدر التزامك بأحكام وأفكار وثقافة الإسلام، بقدر محافظتك على مظهرك المُتزّن، بقدر التزامكِ واعتزازكِ بالعباءة الشّرعيّة، بقدر الاستزادة المعرفيّة والعقائديّة من نور الإسلام، بقدر افتخارك وتعظيمك والتشّرف بإسلاميّتك ، أنتَ تبني هويّتك الإسلامية، هوّية سيّد البشرّية (صلّى الله عليه وعلى آله) ،هويّة ذلك النّبأ العظيم الذي هُم فيه مُختلفون، هويّة آل بيت النّبوّة (عليهم السلام)،هويّة سلمان ومقداد وأبي ذرّ وعمّار..  .


إنّ الهويّة الإسلاميّة هي الهويّة الحقيقيّة الفطرية لكلّ البشريّة، وهي الهويّة التي أرادها الله لهذا العالم، كلّ الهويّات هي وضعٌ تراكميّ للخبرة البشريّة، تُبنى وفق الأهواء ،ومحدوديّة العقل والفكر البشري، فهويّةٌ قوميّةٌ، وهويّةٌ وطنيّةٌ، وهويّةٌ عرقيّةٌ، وهويّةٌ فلسفيٌّة، إلّا الهويّة الإسلاميّة،فهي الهويّة التي أراد الله أن تجتمع عليها كلّ البشريّة بلا استثناء، الهويّة التي بعث لأجلها اللهُ آلاف الأنبياء منذ وجود آدم عليه السّلام، وبعث ذلك الرّسول العظيم {للعالمين} كل العالمين، بلا تحديد عرق أو قوم أو لون،هي الهويّة التي أساسها خلافة الله وعبوديّته، الهويّة التي هي حقيقة الإنسانيّة، والمنعكسة من غاية وجوده السّاميّة، الغاية الإلهيّة،السّعادة الأبديّة.



السبت، 1 سبتمبر 2018

العالم الحديث وصراع الهوية (2) - " ملامح الهوية الإسلامية"



ملامح الهوية الإسلامية


تحدثنا في مقالنا السابق عن أزمة الهوية التي تجتاح العالم في العصر الراهن، وكيف أن هويات وثقافات المجتمعات تتلاشى بفعل الغزو الثقافي والفكري، ويكون أفرادها بلا هوية وشخصية فكرية مستقلة، فيضيع إثر ذلك هدف الفرد ويضل طريق سير حياته بسبب عدم وجود قاعدة فكرية ثابتة ومحكمة تكون بمثابة الخطة والبرنامج العملي للحياة.

ونظراً لضعف أسس وقواعد المذاهب الفكرية والأديان المحرفة؛ من الطبيعي أن لا يكون لأتباعها هوية واضحة محكمة ثابتة. لكن الغريب أن لا يكون لأتباع الإسلام هوية وثقافة تشكل كيانهم كمجتمعات وأفراد، إذ أن هذا الدين دين إلهي لم يُحرف وحافظ على أصوله وأعرافه على مدى أكثر من 14 قرناً، بل ووضع خطة شاملة تدخل في كل جوانب الحياة بأدق تفاصيلها ونظم حياة الفرد والمجتمع، الذكر والأنثى، الكبير والصغير. فتلك الأحكام الشرعية والعادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية التي تحكم المجتمع الإسلامي هي التي تكوّن هوية الفرد والمجتمع، فيُعرف بها الفرد أنه مُسلم أو "إسلامي"، وكذلك المجتمع.

واللازم علينا معرفته أن للهوية الإسلامية ملامح ترتبط بأصول وعقائد الدين، هذه الملامح هي التي تميّز الفرد والمجتمع المسلم عن غيره في الجانب الفكري والعملي، فهي عبارة عن انعكاس تلك العقائد على حياة الإنسان وفكره وتسير به نحو الكمال الإنساني. وفيما يلي أهم تلك الملامح، خصائصها وأثرها على الفرد.

أولاً: الهوية التوحيدية.


التوحيد هو أول وأساس وأهم العقائد الإسلامية، ولكن السؤال هو: ما أثر التوحيد على الإنسان فكراً وعملاً ؟ نحن نعتقد بأن الله -جل وعلا- واحد.. ماذا بعد ذلك!

من آثار التوحيد هو حقيقة أن الله واحد وجميع الخلق يعبدونه لا يعبدون غيره، ثم إن عبادة الله وحده يعني أن حاكمية الله فوق الجميع، يعني أن جميع الخلق سواسية أمامه، لا فرق بين غني ولا فقير، أسود أو أبيض، ولا يمتاز أحد على أحد مهما كان {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}. فهذه المساواة أمام الله هي قانون أخروي ودنيوي يؤسس للعدالة والمساواة ونفي الطبقية والتمييز على العرق واللون وغيرها. فعندما نقول أن هذا مجتمع توحيدي يعني أنه مجتمع عادل ليس به ظلم ولا تمييز بشتى أنواعه، يتساوى فيه الجميع في الحقوق والواجبات وأمام القانون والنظام - وبشكل أخص أمام حكم الله- ،  والإنسان الموحّد هو ذلك الفرد الفاضل المحترم لحقوق الآخرين أمام الله.

ومن آثاره رفض حالات استعباد واستضعاف الإنسان بجميع أنواعها الاجتماعية والمادية والمعنوية، كاستعباده من قبل إنسان مثله (كالسلاطين والمستكبرين)، أو من قبل مادة ورغبة وشهوة تستضعف إنسانيته، أو من قبل ثقافة مضادة وفكر مخالف (كالثقافات الغربية الآن). نعم فالتوحيد يعني لا أكون عبداً لغير الله، فلا أكون عبداً للسلطان، ولا للأهواء والمادة والشهوة {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ}، ولا للغرب ودعاياته.. هذا يعني التوحيد.

ثانياً: الهوية الإلهية


الإنسان المسلم يعتقد أنه موجودٌ إلهي {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} ، وكل الوجود وجود إلهي يسير وفق النظم الإلهية قاصداً الغايات الإلهية المقدسة، هو خليفة الله على أرضه يلتزم بمسؤوليات إلهية عظيمة على جميع المستويات، وهذا يعني أنه يسير في خطٍ تكاملي، يسمو بإنسانيته، هممه عالية لا سقف لها، هممٌ سماوية راقية لا محدودة وليست همم دانية محدودة، هدفه الكمال المطلق، يسير نحو الكمال بالحرية المعنوية التي منحه الله إياها، لا الحرية الانحلالية التي تعبث بإنسانيته، يضفي على كل حياته لمسة إلهية كمالية، في المعاملات والعلاقات والأخلاق، فأخلاقه إلهية تصيّره إنساناً فاضلاً سامياً، يتكامل بأخلاقه وأفعاله وصفاته لأنها مظاهر الكمال المطلق -عز وجل-. فمن يكون رحيماً فهو يتخلق برحمة الله، فعن الرسول الأكرم (ص): "تخلّقوا بأخلاق الله.." ، ومن يكون عالماً فهو يأخذ من علم الله.. وهكذا. إلى جانب إن الإنسان الإلهي -المسلم افتراضاً- يعتقد ويؤمن بأن هذا الوجود خُلق بالحق، ويسير إلى الحق ولن يكون إلا ذلك، فنهاية الوجود مهما كان ستكون بإحقاق الحق الإلهي، فلا يصدر عن الله (جل جلاله) إلا الحق والخير {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ}، وهذا مايسمى بـ "الرؤية الكونية"، فهذه هي الرؤية الكونية الإسلامية.

فالإسلام يضع البرنامج المحكم الذي يصنع إنساناً فاضلاً يبني بدوره المجتمع الإلهي الفاضل الذي لا شرور فيه ولا باطل. فالفرد المُسلم يتحلى بفضائل الأخلاق ويتقيد بقوانين ذاتية تفرضه إنسانيته عليه قبل أن يتقيد بالقوانين الوضعية، فلا يأكل مال الآخرين غصباً لأنه إنسانٌ إلهي صالح مُصلح، لا لأنه يخاف القانون والعقاب. وهذا ما يشدد على أهميته الإسلام أن يبني إنسان الخير ومجتمع الخير، فتعليمات الإسلام الاجتماعية بدرجة كبيرة من الحكمة والسمو، ومثال ذلك أحكام الصدقات والزكاة، والحث على قضاء حوائج الآخرين ومساعدتهم، وإعانة المظلوم والفقير والمسكين واليتيم، والاهتمام بالترابط الأسري والتكاتف الاجتماعي.. إلخ من التعاليم والتوصيات. كل تعاليم الإسلام وجدت لبناء المجتمعات الفاضلة والتي تكوّن عالماً فاضل، عالم عدل وخير وسلام.

ثالثاً: الهوية الولائية.


أخيراً، فإن شيعة أهل البيت يتميزون بهوية أكثر خصوصية وعمق، فالارتباط بأهل بيت النبوة (عليهم السلام)، أعطى الفرد والمجتمع الشيعي هوية خاصة ومتميزة، هذه الهوية كوّنها الارتباط بهؤلاء الأطهار والذي لا يصدر عنهم إلا كل خير وعلم وحكمة، فحديثهم وتعاليمهم وتوصياتهم وكل مايصدر عنهم - عليهم السلام - هو نور، هو مرجع فكري وعملي للموالي، يتحلى بأخلاهم ويأخذ بسيرتهم، وهم القدوة والمثال البشري وتطبيق لمثال الإنسان الإلهي خليفة الله في الأرض. فالهوية الولائية تتمثل في السير بخطهم وفكرهم وعملهم، والأخذ بحديثهم، وإحياء أمرهم وذكرهم، طاعتهم واجتناب معصيتهم. "مطيعٌ لكم، عارفٌ بحقكم، مُقرٌ بفضلكم.."

نعم.. الفرد الولائي يأخذ بتعاليم أئمته بدقة في كل تفاصيل حياته، هو التقي العابد، العامل الرسالي العاشق للإسلام المفتخر به المتعلق بكل ما يرتبط بالإسلام وأهل البيت (المسجد والمأتم والمنبر والموكب، العلماء والأولياء والشهداء..)، هو الثوري الفدائي المجاهد، المتعلم الواعي العارف بدينه، أخيراً هو الورع المُنتظِر لأنه يأخذ بكلام إمامه " منتظرٌ لأمركم، مرتقبٌ لدولتكم، آخذٌ بقولكم عاملٌ بأمركم" ، إذ يدعو أمير المؤمنين ويقول (عليه السلام): "..أعينوني بورع واجتهاد" ، ويقول مولانا الصادق (عليه السلام): "من سرّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق.."

فالمطلوب منا السعي لأن نكون موحّدين وإلهيّين وولائيّين حقيقيّين لتكون هويتنا هوية إسلامية حقيقية، الفتى يقتدي بساداته النبي آل بيته (عليهم الصلاة والسلام) فيكون باطنه وفكره إسلامي وظاهره عمله ومظهره إسلامي، والفتاة تقتدي بمولاتها سيدة نساء العالمين (عليها السلام) بعلمها وإيمانها وطهارتها، بعفّتها وسترها وحيائها، بعبائتها المقدسة.
 هذه هوية الإسلام والتشيع ثابتة منذ 1400 عام، فهل نثبت عليها ؟ أو ندمرها بابتعادنا عن خط الإسلام واتباعنا للغرب والعلمانية والليبرالية الفكرية والانفتاح والتحرر؟

فلننظر لأنفسنا نظرة صدق.. هل هويتنا إسلامية ؟

الجمعة، 20 يوليو 2018

العالم الحديث وصراع الهوية (1) - "حرب تدمير الهويات"

العالم الحديث وصراع الهوية (1)

"حرب تدمير الهويات"


من أبرز خصائص هذا العصر الحديث  صعوبة خلق هُوية شخصية حقيقية للإنسان، وإن من يملك في هذا العصر الراهن هويةً ما، بات يصعب عليه المحافظة عليها في ظل الغزوات الثقافية والفكريةالكبيرة، فتداخل الثقافات والأفكار بين الشعوب والمجتمعات -والتي أفرزتها العولمة- قد مسخت هويات الشعوب والأديان وأصبح العالم يسير نحو دمج كل الهويات في هوية ثقافية وفكرية واحدة، ومن الواضح أن هذه الثقافة هي تلك التي يحيكها خبراء الدول الاستكبارية بدقّة وحرفية كبيرة وخبث في منشآتها الإعلامية الضخمة والتي يُطلق عليها في المجال الإعلامي "مصانع الثقافات"، مع ملاحظة إقصائهم المدروس والمتعمّد للأديان من هذه العملية - أي عملية خلق الهوية المشتركة - إذ أن (الدين أفيون الأمم) بنظرهم.

وما أخطر أن لا يكون للإنسان هوية فكرية مستقلة يختارها بإرادته واختياره يؤسس قواعدها بعقله، ويشيّد أركانها بفكره، ومهما تكُن أسُسها -دينية أو اجتماعية أو قومية وحتى لو كانت خرافية..- إلاأنها تبقى هوية مستقلة اختارها لنفسه بنفسه. والإنسان الفاقد للهوية هو ذلك الإنسان الضعيف المتزلزل الذي لا يملك دعامة فكرية يبني عليها حياته، يسهل اختراقه فكرياً والتلاعب به وتسييره بلاوعي، فتراه دينياً إن واجه موجة التديّن، ومادياً إن عصفت به ريح المادية، ومتنوراً متأثراً ببعض زملاء الدراسة مثلاً، فهو من تلك الفئة التي وصفها أمير الكلام (عليه السلام) : " همجٌ رُعاع، أتباعُ كلناعق، يميلون مع كل ريح". فالهوية هي ذلك الدرع الواقي الذي يقي الإنسان من غزوات الفكر والاستغلال.

الهوية هي ذلك المحور الذي تدور حوله حركة الإنسان العملية وترسم له طريق حياته الذي يسلكه باختياره، وكل فعل يقوم به يكون منبثقاً من تلك الهوية، فهي تتشكل من مجموعة اعتقادات تكون مرجعاً يعرض الإنسان أعماله وعاداته وتقاليده عليها فيكون للإنسان ما يُسمى بـ "أسلوب الحياة"، كل تفاصيل حياته - من علاقات اجتماعية وحياة يومية وحتى اللباس والطعام..- تدخل في نطاق هذا الأسلوب، وإذا ما فُقدت الهوية افتقد الإنسان طريق الحياة الواضح وتاه وتأخر مسيره، فكلما تبع طريقاً ما، جرفته موجة رياح إلى طريق آخر، وهكذا يبقى "في مهب الريح" لا يدري أين ترميه، فلا تبقى له هوية قومية ولا ثقافية ولا عادات ولا تقاليد أصيلة. فالإنسان الديني -مثلاً- تسيّر حياته تلك المعتقدات الدينية فإما موحّداً لله، أو عابداً لصليب عيسى، أو مُشركاً عابداً لبقرة أو شمس..  إلخ من الديانات، والإنسان الماديّ ترسم حياته تلك الرؤى المادية فتصيّره موجوداً لاهثاً وراء المادة وتكون المادة محور حياته، وذلك الرأسمالي يعيش ليكدّس الأموال ويحتكر مصادر الإنتاج ويتلاعب بسوق الاقتصاد لامبالياً بالفقراء..، وهكذا كل رؤية وعقيدة ترسم هوية الإنسان فيكون دينياً أو لا ديني، مادياً رأسمالي أو اشتراكي..إلخ، إلى جانب الثقافات القومية والشعبية التي تشكل هوية الشعوب الظاهرية.

وإذا مانظرنا إلى العالم الآن؛ نرى بوضوح تلاشي الثقافات المختلفة وانصهارها في قالب ثقافي وفكري واحد، وإن بقت أقلية منها فلا ضمانة لبقائها خلال العقود القادمة، فها نحن لا نرى فرقاً جلياً بينالإنسان الشرقي والغربي، المسلم والكافر، الديني والمادي، فكم من مسلمٍ متلبّسٍ فكر الماديّ؟ وكم من عربيٍ ليس له من الثقافة العربية إلا اللغة؟ هكذا يكون الإنسان بلا هوية مستقلة، ديني بفكرٍ مادي،ومسلم شرقي بفكرٍ غربي..إلخ، تتبدل المعتقدات والرؤى فتكون رؤية ضبابية لا تقوم على مرتكزات بيّنة ولا خطة للحياة، وعندما لا يكون هناك خطة ولا منهج ولا طريق واضح فيعني أنه لا يوجد هدف ولا رؤية واضحة مُتّبعة يتطلع إليها الإنسان، هذا مايسير نحوه العالم اليوم! والواقع أنه لا يمكن أن تكون دينياً وفي الوقت ذاته مادياً، لأن أهداف ورؤى الفكر المادي تختلف اختلافاً جوهرياً عن أهداف ورؤى الفكر الديني، فرؤية الدين ترتكز على أن غاية الإنسان حياة أبدية أخروية وعلى مبدأ الثواب والعقاب والنعيم والجحيم الأخروي، بعكس الفكر المادي الذي يرى أن هذه الدنيا والمادة هي الهدف النهائي للإنسان لاغير، وعليهفإن الدين يلقي على الإنسان الدينيّ التزامات سلوكية ترتبط برؤية الدين، كالالتزام بالأحكام الشرعية والعمل بالطاعات وترك المحرمات، فالطاعات توجب الثواب والمحرمات توجب العقاب والعذاب. وهكذا يرتبط أسلوب الحياة والسلوك العملي بالرؤية والفكر، وبذلك يمكن التعرّف والاستدلال على هوية الإنسان من خلال سلوكه وأسلوب حياته، فما دلالة قيام شخص ما بالذهاب إلى المسجد وإقامة الصلاة والصيام وإيتاء الزكاة والالتزام بالأحكام الشرعية الإسلامية وعادات وتراث وطريقة الإسلام؟ هل نستدل بأنه ماديّ؟ أو ليبرالي أو شيوعي ؟ العقل سيقول أنه مُسلم بلا شك، هذا هو الأمر الطبيعي، وأيضاً كل من ليس له أعمال تعبدية فيمكن القول أنه لا يؤمن بالأديان. ولكن العجيب أن نرى من يصلي ويصوم ويتعبد بالظاهر ولكنه ماديّ النزعة وغربي الثقافة ومتحرر الفكر، نراه بهذه الأفكار المضادة تماماً للفكر الديني والإسلامي بالأخص، كما أن العقل يتعجّب لو رأى مادياً أو ليبرالياً متحرراً يتعبّد بكل خشوع وانقطاع لله في ليلة القدر! وبالنسبة للمجتمع والإنسان الإسلامي، أليس هذا مانراه في مجتمعاتنا الآن؟ انمسخت الهوية الإسلامية الأصيلة، الهوية التي أسسها ذلك المبعوث العظيم الذي هزّت رسالته العالم وفتح للبشرية باب النوروالفهم والهدى وهدم أركان الضلالة والجهل.

ولهذا، إذا أردنا -نحن المُسلمون خصوصاً- أن نبقى أعزّةً كما أراد لنا الله،  فبناء الهوية الفكرية الإسلامية هو الضمانة لذلك، فالإسلام هو الدين والفكر الوحيد الذي لا يزال مُحافظاً على أسسه وأركانه رغم الهجمات الفكرية والثقافية العنيفة والمستمرة، ورغم انحراف الجزء الأعظم من المُسلمين عن خط الفكر الإسلامي الرصين، إلا أنه لا زال قوة عالمية عظمى لا يُستهان بها بل ويُحسب لها ألف حساب، مركز هذه القوة هي تلك الطائفة التي لم تتخلى عن هويتها الإسلامية الأصيلة، القوة التي تكمن في كل فرد مُسلم لم يهدم هويته ويبِع عقله وكيانه بالثمن البخس بلا وعي، وبالتحديد فالتشيّع هو المذهب الذي حافظ على هذه الهوية ولازال صامداً ثابتاً كالجبل لا يتزلزل. فكيف بنا ونحن شباب الإسلام والتشيّع نسلّم عقلونا وأفكارنا لدعايات الغرب المادي وإعلامه، نتشرب أفكاره وأسلوب حياته ولغته ولباسه وانحلاله الأخلاقي ! نضرب بكل عاداتنا المحافِظة والرزينة عرض الحائط بدعوى الانفتاح والتمدّن والتحضّر! فنحن كمُسلمين نعتقد بأن هذا الدين هو دين إلهي وهو أسلوب الحياة الكامل الذي تنبثق منه الأفكار والعادات والتقاليد التي تحفظ إنسانية الإنسان من التلوث والانحلال والتسافل {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً}، أسلوب الحياة الذي تُبنى عليه هوية الإنسان والمجتمع، ومثال ذلك مانراه من تبادل أدوار بين الرجل والمرأة، ومحاولات زرع فكرة عدم عدالة الإسلام في المساواة بين الرجل والمرأة، وخلق فكرة عدم تعارض اهتمامات الجنسين، فاهتمامات الرجل أصبحت اليوم على قائمة الاهتمامات الأولية للمرأة والعكس! في حين أن الفكر الإسلامي هدفه المحافظة على كينونة كل جنس بتنظيم اهتمامات وتوجّهات تتناسب وفطرة وغريزة كل منهما، وها نحن نرى الفتاة اليافعة الآن أول الجالسين أمام التلفاز لمتابعة مباراة كرة القدم "الرجالية" وتفاعلها الحماسي الكبير مع كل حركة من اللاعب وتشجيعه في برامج التواصل، وفي الجانب الآخر ذلك الشباب يتابع حياة تلك الفنانة المشهورة في جميع حساباته فيالتواصل الاجتماعي، أين ذهبت وماذا عملت..! ناهيك عن الانقياد الأعمى خلف مظاهر التبرج والترف والانحلال الأخلاقي الذي يجاهر به مشاهير التواصل الاجتماعي، والارتباط العميق مع شخصيات الدراما -الخليجية منها والتركية مثلا- والتأثر بها روحياً وسلوكياً ومظهرياً وثقافياً.. فلا يبقى من الثقافة الأصيلة شيء إلى أن تتحول الهوية الفكرية إلى هوية جاهلة مُقلِّدة ومنقادة انقياد أعمى بلا وعي ولا استقلال، وتُبنى تلك الهوية على أسس الجهل والانحراف والضلال والذي يمثلها ذلك الإعلام أو تلك الشخصيات أو كل ما دون الدين، والتي تكون في مقابل أسس الوعي والهدى والنور الذي يمثلها الدين الإلهي وأهله..

من هنا يبدأ الضياع، عندما لا تكون لك هوية -واضحة مستقلة ثابتة مبنية على أسس رصينة مُحكمة- تتخلى عن ثقافتك وفكرك ومعتقداتك، فتكون ذلك الضعيف اللاواعي الذي تتلاعب به أمواج الجهل والسذاجة فلا يكون لك كيان إنساني مستقل، وإذا ماغرقنا نحن الإسلاميون في طوفان العولمة والانصهار في الفكر المضاد لثقافة الإسلام، فسنتخلى عن عقائد الدين الحقّة بسهولة وبلا إدراك، ولن نكون أولئك الخلفاء الذين جعلهم الله في الأرض ليقيموا المجتمع الإلهي الفاضل!

{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً }

السبت، 28 أبريل 2018

" الإسلام دين الأمل "

الإسلام دين الأمل


بسم الله الرحمن الرحيم

أودع الله عز وجل في فطرة الإنسان كل مقومات الحياة الطيبة العقلية ابتداءً من المعنويات كالعقل والوجدان والمشاعر والأحاسيس وهي أساس حياة الروح، إضافة إلى المقوّمات المادية التي تضمن استمرار الحياة الجسدية المادية أو كما تسمى (الحياة الحيوانية)، ومقوماتها البدن والغرائز المادية، كل تلك المقومات والنِعم هي وسائل أوجدها الله في الإنسان، يستخدمها ليبلغ الغاية السامية والكمال.

إلا أن هناك نعمة خفيّة نستطيع التيقّن أنه لولا وجودها لما أمكن للحياة أن تستمر حتى مع وجود المقوّمات الأساسية الأخرى، تلك هي نعمة (الأمل)، الذي هو ماء الحياة، وهو الذي يدفع الإنسان لكل تقدّم وتكامل وخطوة نحو الحياة الكمالية، الأمل الذي يجعل الأم تصبر على معاناة تسعة أشهر وآلام الولادة الفظيعة على أمل أن تقرّ عينها بالمولود، الأمل الذي يشحذ همم البشر في السير إلى تحقيق أمانيهم وأهدافهم بطلب العلم والعمل والسهر والتخطيط..الخ، الأمل الذي يجعل من كل مشقة وتعب -في سبيل الغاية- حُلوًا باردًا على القلب.

ولكن هل كل أمل هو أمل حقيقي وكمالي؟ هل كل أمل محمودٌ وحسَن؟ الجواب بالنفي قطعًا، الأمل مثله مثل أيّ شيء يمكن أن يكون في طريق الخير والكمال كما يمكن أن ينحدر بالإنسان إلى أسفل سافلين من خلال العمل السيء والمنكرات والشرور وغيرها. المطلوب منا هو معرفة الأمل الحقيقي الصادق، وتشخصيه تشخيصًا دقيقًا لكي لا نُخطئ الطريق ونكون من الأخسرين أعمالًا {الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدُنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}. ولا يمكن ذلك إلا بمعرفة هدف الوجود والخلقة ومآل الإنسان، وذلك ماعرّفنا به الإسلام وبيّنه تمام البيان، وكل ماعلينا هو أن نسعى ونبحث لتتضح لنا الصورة أكثر ونعرف حقيقة هدف وجود كل هذا الوجود.

إن الآمالَ درجات ومقامات وحقائق، وكل أمل يمكن تقيّيمه بدرجة ونوعية وقيمة الهدف المرتبط به، كلما كان الهدف أسمى كان الأمل ساميًا مثله والعكس صحيح، فالأمل المرتبط بإشباع لذة الطعام أمل بقيمة هذا الهدف المادي الحيواني، والأمل المرتبط بالوصول للجاه والمقام الدنيوي والمال أملٌ أجوَف لا قيمة حقيقية له؛ إذ أن تلك الأهداف في أصلها ليست حقيقيةً بالمقارنة مع غاية الوجود الإنساني، ومن جانب آخر يرتبط الأمل كذلك بالأهداف المعنوية العقلية في العلم والمعرفة والعمل كتحقيق المراتب العلمية العالية وزيادة المعرفة النافعة على المستوى الشخصي، والتقدم العلمي والحضاري الثقافي والحقوقي وعلى المستوى الإجتماعي والمساهمة بذلك في خدمة المجتمع البشري وتقدم الحياة الإنسانية، وهي أهداف سامية وطيبة تصب في مصلحة البشرية بل وهي مطلوبة وضرورية مع الأخذ بعين الاعتبار صدق النية وقصد الخير والمصلحة.
وقد أولى الإسلام أهمية كبرى لكل مايخدم البشرية ويساهم في تقدمها العلمي والحضاري والحقوقي الذي يؤدي بها للحياة الطيبة الهانئة، وحثّ على طلب العلم بل واعتبره واجبًا في بعض المقامات، كما ذمّ الكسل والبطالة التي تؤدي إلى تأخر المجتمعات وتحول بينها وبين عملية التكامل الإنساني. وبالتأمل في رسالة الإسلام السماوية وغاياتها، نستطيع الجزم والقطع أنه لايوجد أي دين أو توجه أو فكر يبث الأمل السامي في النفوس كالإسلام، بل ولا يمكن المقارنة بينه و بين غيره.. وتلقائياً يتبادرهذا السؤال إلى الذهن: مالذي يجعل آمال الدين الإسلامي أسمى من غيرها؟ وأساساً هل هُناك فرق؟ فكل العلوم والتقدم المعرفي هي نفسها كانت من المُسلم أو الكافر، خصوصًا و إننا نرى أن الغرب الكافر هو المُتقدم علميًا وتكنولوجيًا وبمسافات طويلة جدًا جدًا عن العالم الإسلامي في العصر الراهن!
كما قُلنا أن قيمة الأمل يرتبط بقيمة الهدف المقصود تحقيقه، ويمكن تبيين وجه سموّ الأمل الذي يبثه الإسلام عن غيره من خلال المقارنة بين نوعية وحقيقة أهداف الإسلام وبين أهداف الفكر الغربي والعلماني واللاديني..

أما الغرب فأهدافه ليست موّحدة وتختلف باختلاف الأفكار، وكل فكر له أهدافه الذي يحقق بها مصالحه ويصارع الآخرين لتحقيقها، فمثلا أهداف المذهب الماركسي قائمة على اعتبار الإنسان موجود مادي بحت وأن العلاقات الاجتماعية قائمة على الإنتاج والاستهلاك، وتمكين الشعب من تقاسم الثروات والانتفاع بها وكان ذلك هدفه النهائي المتمثل في المادة لاغير؛ إذ اعتبروا إن إشباع الحاجات المادية للإنسان هو تلك جنة الفردوس المنشودة، إضافة إلى الحرب على الأديان والإلهيات والحكم بالقوة والعنف، وما اعتبار الإنسان موجود مادي بحت إلا مصداق لقول الله عز وجل في القرآن الكريم {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} وكما يقول أمير الكلام (ع): "كالبهيمة المربوطة همّها علفها".

 وقد اعتبر المذهب الرأسمالي أهدافه الأساسية العليا هي جمع المال وتمكين كل فرد مستثمر صاحب رأسمال من العمل الحر واكتناز الأموال من خلال الأعمال والاستثمارات من غير قيود، حتى لو كان ذلك يؤدي إلى الاحتكار وبروز الطبقية والفقر واستنزاف الخيرات المشتركة للشعوب، فالهدف هو المال فقط وفقط. هذا من ناحية اختلاف الأهداف والذي يؤدي إلى الصراعات فيما بينهم - أيّ المذاهب الغربية-، إضافة إلى أن رغم تقدم العلم عند الغرب إلا أننا نرى بوضوح افتقار مجتمعاته وأفراده للقيّم الإنسانية الأصيلة من قبيل التكافل الإجتماعي والترابط الأسري، ناهيك عن تفشّي الظلم والتشّرد والجرائم..الخ.

ولو نظرنا من ناحية نوعية الأهداف وقيمتها، فإن أهداف الغرب أهداف مادية ودنيوية بحتة، فبرغم أهمية وسموّ العلم والمعرفة والتقدم الذي لا اختلاف عليه، إلا إنها عند الغرب هي قيّم مرتبطة بالدنيا والمادة لا غير، ناهيك عن أن أغلب ذلك التقدم يُسخر لخدمة مصالح الأنظمة والقوى الاستكبارية لا لما يخدم الشعوب، وفي الحقيقة والواقع وبمقارنة هدف الوجود -من وجهة نظر إسلامية- فالتقدم العلمي وتحصيل العلوم التجريبية هي أهداف سامية ولكنها ليست أهدافًا نهائية، بل كما نستطيع أن نطلق عليها "أهدافًا تكتيكية"، أي أنها أهدافٌ مرحليّة و أنّ تحقيقها يؤدي إلى تحقيق الهدف النهائي، فإذا كان التقدم على جميع المستويات هو هدف عظيم، فإن هدف الوجود "الكمال الإنساني" هو الهدف الأعظم. ولا يمكن أن ننفي وجود الأمل عند الغرب وغير المسلمين، بل هم يمتلكون الأمل الكبير -خاصة في المجال العلمي- الذي يجعلهم يعكفون على تحصيل العلوم و الاكتشافات بمختلف جوانبها، إلا أنه يبقى أمل بدوافع محدودة مقارنة باللامحدود، ينتهي بانتهاء الدنيا، ويتوقف بتوقف الحياة.

أما الإسلام  فأهدافه الوجودية واضحة ومحددة تماماً، الهدف هو حياة أبدية طيبة خالدة، رؤية الإسلام الوجودية هي رؤية أبدية لامحدودة، إن الإسلام يخلق في روح الإنسان أفقًا لامتناهي كلما تقدم وكلما عمل فلا نهاية لذلك، حتى لو انقضت الدنيا؟ نعم، فمن وجهة نظر الإسلام كل عمل وعلم بل وكل وجود الإنسان بأكلمه لا ينتهي وهو مستمر، وماعمِله في الدنيا تحصيله في تلك الحياة الأبدية الآخرة وكما قال الرسول الأكرم(ص): "الدنيا مزرعة الآخرة". أيضاً فالإسلام لم يُهمل الحياة الدنيا ويُقصِها، بل أن رؤيته الأخروية متوقفة على رؤيته الدنيوية، فهدف الرسالة الإسلامية على مستوى الأرض، إقامة المجتمع الربّاني والقائم على العدل والمساواة والخير والرحمة والتكافل والمحبة، المجتمع الذي تتحقق فيه الحياة الطيبة لكل فرد بلا استثناء ويكون مجتمعاً يحقق الكمال الإنساني في الدنيا والآخرة لا الدنيا فقط. وذلك ما سيتحقق بإذن الله تعالى على يد المنتظر الموعود قائم آل محمد (عجل الله فرجه الشريف).

نعم هذا الإسلام العظيم يطلق عنان الأمل للإنسان في شتى المجالات من العلم والعمل والإنجاز والمعرفة والتكامل، بل ويخلق أملاً أرقى وأجمل وأسمى من كل أمل، ويبشّره أن علمك وسعيّك وعملك لن ينتهي بانتهاء هذه الدنيا، وستحصل على جزيل النعم التي لا يمكنك حتى تصورها من نعم الحياة الخالدة، بل إنك أيها الإنسان موعودٌ في الدنيا بحياة طيبة في دولة الخير والعدل والرحمة والبركات، الدولة المهدوية العظمى التي سيتجلى فيها كل العلم والتقدم والتمدّن والتطور الذي مر على كل التاريخ، بل سيبلغ كل ذلك ذروته وكماله في تلك الدولة، ولكَ ان تكون رقماً ووجوداً في تلك الدولة بعلمك وعملك وإخلاصك وهمّتك العالية..

والسؤال في الختام: هل يضعف أمل إنسان عاقل يُبشًّر بمثل هذه البشارات والغايات الراقية !
أو هل يتخّلف أحد عن الإسلام بحجة أنه مُثبط للهمم والآمال ؟ 
وما سبب تخلف مسير الأمة الإسلامية على جميع المستويات إلا إهمالها لتعاليم الإسلام وجهلها بحقيقة الرسالة الإسلامية المحمدية.

الجمعة، 23 فبراير 2018

" لأن الله يريد لنا الكمال "

لأن الله يريد لنا الكمال


لخلق هذا الوجود غاية سامية عظيمة، لم يخلق الله عز وجل كل هذا الكون بلا غاية وهدف، وإذ جعل الله سبحانه الإنسان محور هذا الوجود، فتلك الغاية وضعت للإنسان بالدرجة الأولى والرئيسية، فهو المخلوق الذي نصّبه الله خليفة له على الأرض.
يخاطب الله سبحانه الإنسان في القرآن ويخبره بمصيره الحتمي: { يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ } ، فهذه حياتنا ماهي إلا سير إليه عزّ وجل، سيرٌ إلى الكمال إذ هو الكمال المُطلق، بناءً على ذلك فإن غاية خلق الإنسان هي (التكامل اللامحدود) و بعبارة أخرى (التكامل الروحي بالتقرب إلى الله) - أيّ كلما تقرب الإنسان إلى الله ارتقى في درجات كماله.
ولكي لا يكون الحديث حديثاً عقائدياً، نتجه بالحديث للإشارة إلى الخلل الفكري عند الإنسان في موضوع غاية الوجود، وهو جهل الإنسان عن تلك الغاية والغفلة عنها، أيُعقل أن نعيش ونكبر ونخوض معترك الحياة إلى أن ينقضي العمر ولا ندري ما هدف وجودنا! الجهل بمثل هذا الأمر يعني ضياع وجود الإنسان، يعني عبثية الوجود، لذلك نرى اتجاه الحياة البشرية في الوقت الراهن إلى العبثية واللهو واللاهدفية، كل ذلك بسبب جهل الناس بهدف وجودها الحقيقي.
وقد أشرنا في مقال سابق إلى (نتائج عدم معرفة الإسلام)، وهنا نشير بتحديد أكثر إلى (عدم فهم جوهر تعاليم وأحكام الإسلام). إن الإسلام قدم لنا المشروع بشكل واضح، أشار للهدف (التكامل الروحي) وأعطانا الخطة المحكمة للوصول إليه، ولكن بسبب إهمالنا للإسلام وعدم معرفتنا به؛ جهلنا الهدف وانعكس ذلك الجهل على كل حياتنا وفكرنا وسلوكنا وعلى مستوى تحديد أهدافنا في الحياة، ومن نتائج هذا الجهل بروز مشكلة عدم فهم التعاليم والأحكام الإسلامية والاعتراض عليها وعدم تقبلها والنفور منها أيضاً، إن هدف الإسلام كله بقوانينه وتشريعاته وتعليماته تصب في ذلك الهدف الأساسي (التكامل اللامحدود) الذي يعني إيصال الإنسان للكمال المنشود، فهذه التعليمات والتشريعات أساس حكمتها تحصيل الثمرات الكمالية، وهي ثمرات دنيوية مباشرة وثمرات ونعم أخروية، ألا أن الثمرات الأخروية هي الأصل والجوهر، أما النعم الدنيوية فلا يمكن مقارنتها أبداً بالنعم الأخروية بأي شكل من الأشكال، لأن الأساس من هذه الحياة هو العمل المؤقت للوصول للحياة الآخرة، إلا أننا لا نستوعب ولانستشعر عظمة النعم الأخروية لأننا أعطينا الحياة الدنيا الاهتمام الأعظم وجعلناها هي الغاية الأساس، وغفلنا عن أن الحياة والنعم الأبدية هي الحياة الآخرة، لذلك نحن ننفر من تعاليم الإسلام ونعترض ونُشكل على أحكامه، وعندما نرى من تلك الأحكام والتعاليم ما لا يتوافق مع أهوائنا نبقى نبحث عن مخرج لها ونستنبط لأنفسنا " تحليل عقلاني " لإضعافه أو تغيير ماهيته، ما يلزمنا فهمه هو أن ثمرات هذه الأحكام لا تتعلق بالدرجة الأولى بالدنيا، فلا حاجة للبحث عن تبريرات تتعلق بالحكمة من تشريعها، فالكثير من التشريعات نجهل حكمتها ولا نستعشر ثمراتها في الدنيا، إلا أن اليقين هو أن ثمراتها أخروية وترتبط بشكل رئيسي بـ " عملية التكامل الروحي " .
والحاصل أننا لجهلنا بقانون أو فلسفة التكامل الروحي أو عدم فهمنا إياها، ننظر إلى كل أمر فقط من جانب كونه حلال أو حرام، جائز أو غير جائز، فالأعمال لدينا إما هذين الحكمين وما غير ذلك لا اعتبار له، وننظر إلى الآخرة على أنها جنة أو نار فقط ، هممُنا دانية وأهدافنا بسيطة فيكفي أن نعمل بالمقدار المحدود جداً الذي يدخلنا الجنة وينجينا من النار وكفى، والحقيقة هي أن الغاية أعظم من الجنة أصلاً، الغاية هي التكامل للتقرب الى الله، السير للكمال المُطلق الذي يعني أنه مهما تقربت ازدتت كمالاً لا حدود له مُطلقاً، فالجنة درجات والقرب الإلهي أيضا مقامات، غاية الأمر أننا أصحاب همم ضعيفة اكتفينا بالسعي للدرجات الأدنى من درجات الجنة، بل أقصى آمالنا وأهم أهدافنا أن لا ندخل النار وكفى، هذه نتائج غفلتنا عن طلب الكمال الأخروي، عزفنا عن الكمال اللامتناهي وجعلنا كل اهتمامنا للكمال الدنيوي المتناهي والذي سينتهي مع انتهاء حياتنا على الأرض.

ولنقرب الفكرة أكثر نطرح هذه الأمثلة لتبيان جوهر قاعدة التكامل في الإسلام، مثلاً تشريع الحجاب للمرأة -كتشريع واجب- هو بأصله كمال له ثمرات اجتماعية واضحة ومباشرة في الدنيا، كصون وحفظ المرأة وتحصينها وهو جانب من جوانب العفة والستر للمرأة، وحفظ المجتمع من تبعات سفورها، هذه الثمرة المباشرة لا تنفصل أبداً عن الثمرة الأساس وهي (التكامل الروحي)، غير أن ثمرة الكمال تظهر بشكل جوهري أعظم في الآخرة، ونظراً لأن الحجاب جانب من كمال العفة، فكلما ازدادت المرأة عفافاً كلما تكاملت وارتقت في درجات الكمال الروحي، فالتكامل هنا أمر و وجوب الحجاب أمر آخر، فمثلاً هناك من تكتفي بأدنى درجات الستر ولا يعد ذلك عملاً محرماً (كأن تلبس ملابس ساترة وجائزة شرعاً من غير أن تلبس العباءة)، وأخرى تسعى جاهدة لتعزيز سترها فلا تنزع عباءتها مهما كلف الأمر، في هذا المثال المرأتان لم ترتكبا الحرام وكلتاهما لباسهما في حدود الشرع، لكن هل كمال العفة والستر متساوي بينهما؟ قطعاً لا، المرأة الثانية سترها أكثر كمالاً، الفرق أن الثانية همّتها متعلقة بدرجة أعلى من الكمال، والأولى على العكس اكتفت بالجائز، كذلك لو أن فتاة لا مانع عندها من ظهور صورها الى الملأ عبر شبكات التواصل مثلا (مع افتراض كون ذلك جائز)، وأخرى لا ترضى ذلك حياءً وعفة، فبالتأكيد أن الفتاة الثانية حياءها وعفتها أكثر كمالاً، ولا يعني ذلك أن الفتاة الأولى ليست عفيفة أو قامت بعمل حرام، بل هو مجرد تفاوت في درجات كمال العفة بينهما، كمال إحداهما أرقى من الأخرى. مثال آخر، نظر الرجل لوجه المرأة بحد ذاته جائز، لو أن رجلًا نظر لوجه إمرأة وفق الحد الشرعي فهو لم يرتكب حراماً، أما رجل آخر يغضّ البصر تماماً عن المرأة قاصداً العمل بالورع - كأن ينظر للأرض إذا رأى امرأة – فهو بهذا يتكامل بالورع عبر غض البصر، هنا كلاهما لم يرتكبا الحرام، والسؤال إليك أنت أيها القارئ : من هو الأكثر كمالاً في الورع منهما؟

وهكذا هو جوهر قاعدة التكامل، وقس عليه جميع السلوكيات والأعمال التي تحث عليها التعاليم الإسلامية وروايات أهل البيت (ع) خصوصاً التي تعد أعمالاً وسلوكيات كمالية للروح ولا تتعلق بالحلال والحرام، لذلك علينا تغيير نظرتنا لتلك التعاليم والتوصيات، ونستوعب أن الأشخاص الذين نلقبهم في مجتمعنا بالـ "ملتزمين" أو دينيّين أو "المطاوعية" أو الذين يعتبرهم المجتمع "متشددين ومعقدين" - أنهم بأعمالهم وفكرهم هم طُلاب الكمال، هم متّبعين الفطرة الإنسانية التي لا تنفصل عن الدين، المُتصبغين بصبغة الكمال الإلهي المطلق {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} .

إذن، من يكتفي بالـ "جائز" فهذا شأنه، ومن يسعى للكمال فذلك شأنه هو أيضاً، كل إنسان حر باختيار طريقه، المهم أن لا نهاجم من يهتم لدينه ويسعى للكمال بالتزامه وحفاظه على قيَم الإسلام الكمالية، وأن لا نعتبر من يكتفي بالجائز فاسق.

أخيراً، إذا استوعبنا قاعدة " التكامل الروحي" في الإسلام، فإن نظرتنا لأنفسنا وللوجود ستتسع وتسمو، سيرقى فكرنا وسلوكنا واهتماماتنا وتطلعاتنا، لأننا سنشعر بأن هذه القاعدة هي المتناسبة مع عظمة خالقنا سبحانه و الأصلح لأن تكون غاية هذا الوجود، ومتوافقة مع فطرة السعي للكمال عند الإنسان، هل يعقل أن يكون قد خلق كل هذا الكون لأهداف هذه الدنيا المفعمة بالنقص والتعب والبلاء! ومع الإشارة إلى أن قاعدة التكامل مرتبطة بكافة السنن والقوانين الإلهية الكونية والاجتماعية ( كسنة البلاء مثلا)، وبعد أن يستوعب الإنسان هذه القاعدة؛ سيكون جواب سؤال (لماذا) حول أحكام الإسلام وتعاليمه وتوصياته واضحاً..
لماذا الصلاة؟ لماذا الصيام؟ لماذا الحجاب؟ لماذا الزكاة؟ لماذا أحكام القصاص؟ لماذا البلاء؟ لماذا المرض؟ لماذا الفقر؟ لماذا الألم؟ لماذا الإحسان؟ لماذا العدل؟ لماذا العفة؟ لماذا العبادة ؟  لماذا الوجود ؟ لماذا..؟ لماذا؟ .. لأن الله يريد لنا الكمال

الجمعة، 9 فبراير 2018

"ليس هذا هو الإنسان الحقيقي"

ليس هذا هو الإنسان الحقيقي!


من أكبر السلبيات المؤثرة في فكر وعقلية شبابنا في هذا الزمن هو افتقاره للجدّية، وسيطرة اللامبالاة والهزلية والعبث على عقله وسلوكه، مما يؤدي إلى سطحية الفكر وبروز النزعة العامية في عقليته.
فهذا العالم أصبحَ يسير بنحوٍ تسافلي خطير، رغم كل التطور الهائل والسريع فيه، إلا أنه من الواضح أن العلاقة عكسية بين هذا التطور وبين الإنسان، كلما تقدّم هذا التطور، كلما تراجعت وتسافلت إنسانية الإنسان!
والمقصود من الجديّة هُنا ليس المعنى الدارج المتعارف عليه، ليس عدم المزاح والضحك مثلاً، ليس الجدية في الحديث، ليس الجدية في السلوكيات اليومية في الحياة الاجتماعية، ليس القصد أن يعيش الإنسان طيلة يومه مُقابلاً الكتب ومُنهمكاً في طلب العلم، أو أن يكون عبوساً لا يتلطّف في أحاديثه مع الناس، بل المقصود من الجديّة أن يكون الإنسان جادًا في نظرته إلى الحقائق المصيرية في حياته، أن يكون لمعرفته تلك الحقائق أهميّة وأولوّية في حياته، ويكون توجهه لهذه الحقائق هو مُحرك حياته في السلوك والحديث والفكر.
وأول تلك الحقائق مايرتبط بوجود الإنسان، ماهي حقيقتي؟ ماهو هدف وجودي في هذا الوجود؟ كيف وُجدت ومن الذي أوجدني؟
ومن هُنا يبدأ طريق الإنسان في البحث عن نفسه ومعرفة قيمته، فنتيجة معرفة نفسه هي معرفة الله جل جلاله، يقول أمير المؤمنين (ع) : " من عرف نفسه فقد عرف ربه "، وبهذا يمضي بجديته ساعيًا للبحث عن كل الحقائق المتصلة بوجوده، فنحن البشر المخلوق الوحيد في هذا الكون المُتميز بحيازته للعقل، أليس من العبث أن أعيش في هذه الدنيا وتمضي السنين ثُم أموت ولا أعرف ماهي حقيقة وجودي! من أين أتيت وإلى أين مصيري وماهو دوري في هذا الوجود! ماهو مستقبل هذه الحياة! وهذا ما يُشير إليه أيضاً أمير المؤمنين (ع) في قوله " رحم الله امرأ عرف من أين وفي أين وإلى أين". فالحقيقة أنّنا عندما نجهل هذه الأمور فإن حياتنا وعدمها واحد لأنها حياة بلا قيمة إذ أني لا أعرف قيمة نفسي، ولا اختلاف في قيمة وجودنا و وجود الحيوان، عندما لا نستخدم هذا العقل في سبيل معرفة حقيقة هذا الوجود -ومن ثم السير في حياتنا بناء على تلك المعرفة- فإننا كالحيوان، فهو يعيش بلا عقل، يولد ويعيش ، يأكل وينام ويتكاثر ثم يموت، ونحن نولَد ونعيش نأكل وننام ونتكاثر، والفارق الممكن هو أننا نستخدم عقلنا لكن هدفية استخدام عقلنا هي نفسها تلك الأمور التي نشترك فيها مع الحيوان، نسخّر كل قوانا العقلية لإشباع رغباتنا وتحقيق أهداف الدنيا المادية، كطلب العلم للحصول على الشهادة ثم الوظيفة والراتب الكبير.. الخ، ومهما ترقينا أكثر فإن كل أهدافنا وإن عظُمَت ستبقى محدودة مادامت مرتبطة بالمحدود فقط كالدنيا، لكن معرفة حقيقة النفس وهذا الوجود وصانعه المبدع ومعرفة مابعد هذه الحياة هي المعارف المصيرية والمؤثرة في وجودك، ماهي قيمة الإنسان إذا عاش جاهلا لحقيقة وجوده!
تلك الجديّة هي المطلوبة في نفس الإنسان ليجد ذاته ويعرف قيمة وجوده، لا يمكن للإنسان أن يرقى بعقله وفكره وإنسانيته وهو فاقد للجدية في السعي لمعرفة مثل هذه الحقائق، أمّا نحن شيعة أهل بيت محمد (ص) كيف نقبل على أنفسنا أن نكون أهل غفلة وعبث! وماهو مبرر ذلك؟ هل قصّر أئمتنا (ع) في إرشادنا ؟ معاذ الله! هل نفتقد لمن يدلنا الطريق ؟ ماهو شعورنا وإمام زماننا - عجل الله فرجه - غائب ينتظر تمهيد شيعته، فيرانا ونحن غارقين في العبث واللهو! أليس التمهيد إلى ظهوره يحتاج لجدية حقيقية ؟ ماهو موقفنا أمام الله يوم وقوفنا أمامه يوم تبلوْ كل نفس ما أسلفت! 
الجدية أن نكون مُوالين بحقّ، أن نكون جادين في معرفة ديننا ورسولنا وأوليائنا -عليهم الصلاة والسلام- أن نسعى بكل همّة وصدق أن نعرف إمام زماننا (عج)، أن نكون جادّين بالإرتباط به والتقرب إليه والتمهيد الصادق لظهوره (فدته الأنفس)، الجديّة أن نسعى لمعرفة تكليفنا اتجاه ديننا وإمامنا، أن نتحمّل الأمانة الشريفة التي حمّلنا الله جل جلاله إياها وأعطانا دور الخلافة على الأرض، أن نتحمل مسؤوليتنا اتجاه مجتمعنا واتجاه كل هذا العالم واتجاه إمامنا الغائب (أرواحنا لمقدمه الفداء)،  على عاتقنا مسؤولية عظيمة، هذا العالم غارق في الفساد، انعدمت القيَم الإنسانية ونخرت قيَم الدنيا الهابطة في مجتمعاتنا، الجديّة المطلوبة أن نستشعر وجود الله، أن نعيش همّ الآخرة، أن نكون جادّين في طلب قرب الله ورضاه ومحاسبة النفس وتزكيتها، أن يكون كل سعينا وعيشنا وكل حياتنا في السير إلى الله، حيث أنّ الله هو نور السماوات والأرض وهو الكمال المُطلق وقربه غاية الوجود.. وعندما نكون كذلك ستكون كل حياتنا حياة هادفة، لن نقبل على أنفسنا اللهو واللغو والعبث.
عندما نرى كل هذا العالم غارق في العبث واللهو، فإن كل تلك البشرية لا تعرف الإسلام، أما نحنُ أبناء الإسلام، أبناء نبي الرحمة (ص)، أبناء أمير الموحدين (ع)، أبناء الطاهرة سيدتنا الزهراء(ع)، نحن أبناء الولاية العلوية، أبناء المساجد والمآتم، ماعذر غفلتنا ونحن شيعة مدرسة النور الربّانية! 
أليس من المؤسف أن نصل لهذا الوضع الأليم، عندما نرى جديّة شبابنا في توافه هذه الدنيا وإعطاء الأهمية لما ليس له أهمية! فها نحن نرى كيف أن معرفة شبابنا بلاعبي كرة القدم مثلاً معرفة واسعة، لاعجب أن يعرف الشاب أسماء اللاعبين وأسماء أبنائهم وحتى أسماء زوجاتهم وكل تفاصيل حياتهم، أو مانراه من متابعة واهتمام كبير لمشاهير "سناب جات"، كم هو مؤسف أن يكون حديث شبابنا عن زواج وطلاق تلك المشهورة، وحياة ذلك الفنان وأين ذهب وماذا أكل وماذا صنع، في حين يجهلون المعارف التي تسمو بإنسانيتهم وفكرهم، والحقائق المؤثرة في مستقبل الإنسان الغامض..
 لا يخفى على أي عاقل ماوصلت إليه عقلية شبابنا من الجنسين، ولا شك أن افتقار المجتمع للجديّة الفكرية والعقلية أدّت لمثل هذا الانحدار الفكري، الجديّة التي هي حالة من التفكّر المُستمر في الحياة في سبيل إعداد الإنسان نفسه لخوض مستقبل مجهول، وعكسها غفلة الإنسان عن إنسانيته وحقيقة وجوده ومصيره، فلا يمكن للإنسان الذي يعرف قيمة نفسه وحقيقة وجوده أن يشغل نفسه بتوافه هذا الزمن، أو أن يكون جلّ حديثه لغو وسلوكه عبث وحياته لهو، .. ليس هذا هو الإنسان الحقيقي!.. إن عقلية اللامبُالاة والهزلية والعبث واللغو لا تصنع إنساناً، بل تدّمر حقيقة الإنسان!

الجمعة، 2 فبراير 2018

" الصورة ليست واضحة ! "

الصورة ليست واضحة


تمر السنين ويوماً بعد يوم نرى ازدياد ابتعاد الأجيال عن الإسلام، وبعد أكثر من 1400 عام من بزوغ فجر دين السموّ والجمال والكمال الإنساني، دين بناء الإنسان والتحرر من أغلال النفس والمادة ، ها نحن ونصل لعصرٍ لم يبقى فيه من الإسلام إلا اسمه، انطمست ملامح صورته الحقيقية، أصبحت الصورة ليست واضحة، انعدمت الثقافة الإسلامية في مجتمعاتنا، وحلّت مكانها الثقافة الغربية الملوثة، تفشّى الانحراف الفكري والعقائدي بين شبابنا. تعددت أسباب هذا الانحراف، إلا أن أهمها فهو ضعف المعرفة بالإسلام إذا لم تكُن معدومة واقعاً، فضعف المعرفة الدين يعني ضعف الإيمان، وضعف الإيمان هو المؤدي للانحراف والنفور من الدين، هذا النفور المتفشّي في مجتمعاتنا في العصر الراهن.
إن هذه المعرفة تشكّل أساس بناء هوية الإنسان المسلم، عندما ضعُف هذا الأساس، سهُل هدم تلك الهوية التي أراد بها الإسلام الكرامة والعزّة للإنسان، واستطاع العدو الغربي استغلال هذه الثغرة الفادحة في اختراق المجتمع الإسلامي وبث سموم أفكاره من خلال الغزو الثقافي الناعم، واستهدافه لفئة الشباب خصوصاً وبشكل مُخطّط ومدروس، أما من كان مُتحصّنًا بالمعرفة الكافية والإيمان بدينه فلن تتلبّسه التبعية العمياء ولن تستطيع أكبر قوة شيطانية أن تسلبه هويته الأصيلة واستقلاله الذاتي والفكري.
أما عوامل ضعف هذه المعرفة فهي كثيرة ومُتجددة مع تقدم الزمن، ولعلّ أبرزها عملية فصل أفراد المجتمع الإسلامي عن منابع المعرفة الدينية الأصيلة المتمثلة بالقرآن الكريم والعترة الهادية (عليهم السلام)، ومثال لذلك ما كان في عصر الأئمة (عليهم السلام) حيث كان سعيّ الغاصبين آنذاك عزل المجتمع الإسلامي عنهم -عليهم السلام- و عن علومهم ومعارفهم بمختلف الأساليب التضييقية والإعلامية الماكرة (إلا أنهم فشلوا في ذلك نوعاً ما)، أما في عصرنا الحالي فهذه العملية تتمثّل في إضعاف العلاقة الروحية بين المجتمع وعُلماء الدين بصفتهم حمَلة لواء الشريعة وحُماة العقيدة وورثة الأنبياء ونوّاب الإمام المعصوم(ع) في عصر الغيبة، وهم من يتصّدون لمهمة الهداية والتربية ونشر الدين والمحافظة على مبادئه الأصيلة، فهم بهذه الوظائف امتداد لذلك الخطّ الربّاني، ويكون ذلك عبر تشويه صورتهم بمختلف الأساليب، (والحديث عن موضوع العلماء له أهمية كبيرة، نخصص له مقال قادم خاص إن شاء الله)، إذن ضعف ارتباط المجتمع بمصادر المعرفة الأصيلة وامتدادها بشكل طبيعي يؤدي الى ضعف المعرفة والإيمان.
ولذلك إن أردنا معرفة الدين علينا التوجه لمنابعه الأصيلة، دين الإسلام الذي هو منهج حياة كما أشرنا سابقاً، فنحن نحتاج إليه ليرشدنا في كل خطوة نخطوها في حياتنا، فعلوم الإسلام ومعارفه وعلوم كل الحياة نجدها أولاً عند آل بيت محمد (ص)، وكما جاء في الرواية عن الإمام الباقر (ع): "شرّقا وغرّبا فلا تجدان علماً صحيحاً إلا شيئاً خرج من عندنا أهل البيت" . وهذه مآتمنا ومساجدنا هي مدارس لعلومهم (ع)، وما مداد المرجعية الدينية الشيعية إلا اغتراف من نبعهم الصافي، لذا فسبيلنا الوحيد لمعرفة الإسلام هو علم أهل البيت (ع)، ومايقدمه العلماء من تعريف وتبيان ونقل لعلومهم عليهم السلام.
ونظراً لعدم التوجه لتلك المعارف، فليس مستغربًا أن نرى الشباب ينفرون من الدين ويشككون في أحكامه وتعاليمه، لأن ذلك ينتج عدم وضوح صورة الإسلام، والواقع أن الكثير من الشباب في سبيل المعرفة والتثقف يتوجه لمن ليس لهم أي صلة بالإسلام، بل ممن يحاربون التدين من أصحاب الأفكار المنحرفة المُبطّنة، فنرى الشباب بلا وعيٍ يقرأون ويؤمنون بأقوال واطروحات مفكّري وفلاسفة الغرب الذين يجدون عندهم مايوافق أهوائهم النفسية المحدودة، أمثال اولئك حتى لو كانوا يقدمون مانعتقده من القيّم الإنسانية والأخلاقيات، إلا أننا لا نحتاج لهم لتعليمنا القيّم والأخلاق والمبادئ، فلدى الإسلام مايكفي من المفكرين الذين يرشدونا للقيم الفطرية النقية، اضافة إلى أن أفكار أولئك ليست صافية وغالباً ماتصطدم بشكل مباشر أو غير مباشر مع مبادئ وقيم الإسلام، كما أن مفكّري الغرب غالباً مايطرحون مصطلحات جذّابة محرَّفة المعنى تجذب عقول الشباب مثل (التحضّر،العصرية، العقلية المثقفة، التنوّر..الخ) ونظراً للتضاد القيمي الكبير بين الفكر الغربي والفكر الإسلامي، فمن الطبيعي أن من يقرأ أفكارهم و يؤمنٌ بها سيصطدم بأفكار علماء ومُفكري الإسلام، يعني أنه سيصطدم مع الإسلام واقعاً!  ليس هذا وحسب، بل من المهم الإشارة أيضًا إلى الحذر حتى من بعض المفكرين العرب والمُسلمين، فلم يسلم الإسلام من السهام الخفية من بعض (المُثقفين) الذين يضربون الدين بالدين، ويحرفون المبادئ الأصيلة، ويدعون بشكلٍ أو آخر إلى التحرر من الدين وماشابه من الأفكار المنحرفة، ناهيك عن تعرضنا وبشكل مستمر ومتكرر لملايين الرسائل المُبطّنة من خلال الإعلام الغربي -(هوليوود) مثلا، والإعلام الاجتماعي الحديث ومشاهير الإعلام من الغرب والخليج العربي أيضاً (شخصيات السوشيال الميديا/الفنّانين..الخ). بناءً على ذلك فإن أي فكرة منحرفة نأخذها من تلك المصادر، ستوجِد لدينا قناعات مخالفة أو شكوك في صلاحية مبادئ وقيّم الإسلام، لأنه إمّا أن نؤمن بصلاحية القيم اللاإسلامية أو صلاحية القيم الإسلاميّة، ومن هنا يحصل الشك والانحراف والنفور من الدين، خصوصاً مع طبيعة النفس الإنسانية الأمّارة بالسوء في اتباعها لما تهوى !
وهُنا أنقل هذه القَول الجميل لفيلسوف الإسلام الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي، يقول (دامت بركاته): " إنّ الخُبراء في الدين والذين باستطاعهم تعريف الناس بالإسلام الأصيل، إنمّا يمكن العثور عليهم في وسط علماء الدين، فالإسلام الأصيل لا يؤخذ من (جامعة هارفارد)".
والحقيقة إن شمولية الإسلام لم تدع أي مجال في الحياة لم تتطرق إليه وتنظمه بتعاليمه، ولم يجعل المجتمع الإسلامي يحتاج لأي منهج آخر، فبعد القرآن الكريم وأحاديث أهل البيت (ع)، قدّم علماء ومُفكري الإسلام مؤلفات عظيمة في شتى المجالات التي تُرشد الإنسان لطريق الهداية والإنسانية على ضوء الإسلام، فنحن نُهمل هؤلاء العظماء الذين ساهموا بفكرهم الإسلامي السليم بتقديم أطروحات يُضرب بها المثل في عراقة فريدة من نوعها ونتجه لغيرهم!
ونظراً لابتعاد العالم أجمع عن الإسلام وتعاليمه، ها هو العالم يشهد تراجع وتهاوي حياة الإنسان، ذلك بسبب عدم صلاحية كل المناهج البشرية التي تنتهجها مجتمعات العالم، ولا صلاح للإنسان والعالم إلا بالمنهج الربّاني الحكيم، هذا المنهج هو الذي يُحقق كل ماينشده الإنسان من طمأنينة وراحة وسعادة حقيقية تتمثل في الحياة الطيبة والعلاقات الاجتماعية السليمة، فعلى المستوى الإنساني فتعاليم وأحكام الإسلام حفظت للأنسان كرامته ورفضت كافة أشكال العبث والانحلال الأخلاقي ووجّهت الإنسان للسيطرة على أهواء النفس وحارب الطمع والأنانية ونظّم العلاقات الاجتماعية وفق ذلك، ومنها تنظيم علاقات المجتمع واقتصاده وتوزيع الثروات بما يؤدي لرخاء المجتمع وانتفاع أفراده وتوفير العيش الكريم وإلغاء كل أشكال الاستغلال والجشع- هذا في الجانب الاقتصادي، ومنها التعاليم التي تسمو بالإنسان والمجتمع بتحقيق العدالة والمساواة والتحرر والاستغلال والعبودية، إضافة إلى ترسيخ الأخلاق الحميدة في الفرد والمجتمع- وهذا في الجانب الاجتماعي، هذه بعض الأمثلة على رؤى وتعاليم الإسلام التابعة لمبادئه الأساسية، ولك أن تقارنها بأي رؤية منهجية أخرى وتترك الحكم لعقلك! هل هناك منهج غير الإسلام أعطى الإنسان هذا القدر من الكرامة ونظّم الحياة بأفضل من هذه الأنظمة؟ هذا هو الإسلام الدين السماوي السامي، منهج يسمو بالإنسان، ولو أن أي فرد آمن به وسار ملتزما بأحكامه مؤمناً برؤيته، فسيرى أن استقامة الحياة لا تكون إلا في ظله، ولو انتهج الفكر الإسلامي الأصيل، فسيشعر بطفرة كبيرة في فكره وثقافته وعقليته وسلوكه، وإن خط الإسلام رقى بإنسانيته وروحه وعقله، ستنفتح له آفاق الإبداع والنشاط الفكري، ستتغير نظرته للحياة تماماً، سيشعر وكأنه كان يعيش بعقلٍ آخر سطحيّ جداً ومحدود! نعم هذا ماستشعر به حقّاً لأن هذه التعاليم نابعة من عمق الفطرة الإنسانية وهي توجيه حكيم من أحكم الحاكمين الذي نفخ فيك من روحه.
فضعف المعرفة يعني تأثر فكرنا بأبسط الرسائل التي نواجهها في حياتنا اليومية، البعض ربما يتأثر من خلال تغريدة منحرفة واحدة على تطبيق (تويتر)! ونظراً لضعف القاعدة الفكرية والعقائدية فليس بمُستغرب أن يتأثر الشاب -ولو بشكل غير مباشر- بنمط حياة لاعب كرة قدم، والفتاة بمشهورات السوشيال الميديا، ، خصوصاً عندما يرون تلك السعادة الوهمية في الحياة غير الحقيقة لتلك الشخصيات.
إذن كل انحرافنا ونفورنا عن الإسلام هو نتيجة عدم معرفته والتي تؤدي إلى سهولة التأثير في نظرتنا إليه وتحويل مقاييس الحُسن إلى مقايّيس قبح والعكس، ويؤدي ذلك إلى ذرّ الرماد في أفق بصيرتنا فتكون الصورة ليست واضحة..! 
فعندما يُنظر إلى الدين أنه رجعية وتخلّف، يعني أن الصورة ليست واضحة!
عندما يُرى في الحجاب تقييد، وفي الزينة والسفور تطور وتحرر، يعني أن الصورة ليست واضحة!
عندما يُعتبر المُتديّن مُتحجّر ومُتعصب، يعني أن الصورة ليست واضحة!
عندما يُرى في الإسلام مانعٌ للتقدم والتطور، يعني أن الصورة ليست واضحة!
عندما نعتبر عُلماء الدين العاملين مُستغلّين ومُنافقين ويُريدون تسيّير المجتمع وفق أهوائهم، يعني أن الصورة ليست واضحة!
عندما نعيش وكل همّنا إشباع رغباتنا النفسية والمادية، عندما نرى قيمتنا في كمالياتنا وملبسنا الثمين ومظهرنا العصري يعني أن الصورة ليست واضحة!
إذن؟ 
لنجعل معرفة ديننا أولوية وأهمية في حياتنا..
لماذا؟
لتتّضح الصورة ونسيّر حياتنه بالنظام الأحكم.. لنعرف قدر أنفسنا، للسمو، للارتقاء، للإنسانية..
يقول السيد القائد الخامنئي (دامت بركاته) : "لا شكّ في أن العلم الديني من الأمور التي تقع في صدر قائمة العلوم، نحنُ بحاجة إلى الاطلاع على..الدين والمعارف الدينية..علينا أن نفهم الدين"
وتيّقن أيها العزيز.. بسيرك في خطّ الإسلام ستذوق في الحياة الحلاوة الي لم تذقها في كل عمرك!
وستعيش الراحة التي طالما بحثت عنها في فوضى هذه الدنيا، لأن الإسلام نظام الخالق الحكيم، نظام الوجود ونظام الفطرة الإنسانية السليمة!
أخوتي وأخواتي.. فلنذب في الإسلام، ولنحيا الإسلام منهجاً يحقق لنا الحرية المعنوية والطمأنينة الروحية والاستقلال الفكري، لنحقق به الغايات السماوية التي أرادها لنا الله عزّ وجل ورسوله أهل بيته (عليهم السلام).